ما بعد رياض سلامة: أيّ حاكم وأيّ مشروع؟ /
منصوري أبلغ ميقاتي أنه سيستقيل بقرار من ثنائي أمل وحزب الله
الحوارنيوز – الأخبار
تحت هذا العنوان كتبت رلى إبراهيم في الأخبار تقول:
تقترب ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من نهايتها، وسط حديث مستمرّ عن احتمال استقالته في أيّ وقت. هذان الاحتمالان يقودان إلى مشكلة دستورية وقانونية متّصلة بملء الشغور في هذا المنصب في ظلّ فراغ رئاسي وصراع حول ميثاقيّة اجتماعات الحكومة التي يفترض أن تعيّن حاكماً جديداً. يضاف إلى ذلك، مواصفات المرشّح المقبل وأيّ دور يُراد له؛ فهل المطلوب حاكمٌ كإدمون نعيم يحقّق استقلالية «المركزي»، أم آخر مطواعٌ للقوى السياسيّة الحاكمة على صورة سلامة؟
ماذا لو استقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو انقضت ولايته في تموز المقبل من دون الاتفاق على بديل، وفي ظل استمرار الفراغ الرئاسي؟ البحث في الخيارات المتاحة بدأ فعلياً ما بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وخصوصاً أن ثمّة توجّهاً لدى بري بالطلب من نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري الاستقالة فوراً لاعتبارَين اثنين: إبعاد كرة النار التي يحملها رياض سلامة عنه، وتفادي مشكلة طائفية مع الأحزاب المسيحية والبطريركية المارونية، ولا سيما أن الموقع محسوب على الطائفة المارونية. وبحسب المعلومات، ميقاتي استدعى منصوري وسأله عمّا يمكن فعله في حال استقالة الحاكم أو انتهاء ولايته. أجاب منصوري باستحالة تغيير أيّ إجراء في السياسة النقدية لأسباب تتعلّق بشحّ الدولارات. وبالتالي، فإن المسار الانحداري سيستمر ويصعب إيقافه من دون «تسوية» شاملة تعيد ضخّ الدولارات إلى البلد.
وفي غياب أيّ إشارات تسوية حتى الساعة، لا يوجد بعد، أيّ «انتحاري» يتسلّم كرة النار من سلامة. من هنا، يتمسّك بري حتى الساعة باستقالة منصوري، من دون أن يكون في قانون النقد والتسليف ما يلحظ أيّ مخرج في حال استقالة حاكم مصرف لبنان ونائبه الأول. إذ تنصّ المادة 25 على «تولّي نائب الحاكم الأول مهامّ الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد»، أما المادة 27 فتتحدّث عن تسلّم النائب الثاني مهامّ الأول، في حال غيابه، لا استقالته. ووفق مصادر قانونية، القانون ميّز بين حالتين؛ شغور المنصب والغياب «إلا إذا خرج من يفسّر المادة 27 على أنها تسري على استقالته أيضاً». عندها يفترض أن تنتقل السلطة إلى النائب الثاني للحاكم، أي بشير يقظان وهو من الطائفة الدرزية. ويتوقع أن يحذو يقظان حذو منصوري في الاستقالة. والسبب الرئيسي في عدم ذكر قانون النقد للنائبَين الثالث والرابع هو أن هذين المنصبين أضيفا أيام الرئيس السابق أمين الجميل «حفاظاً على التوازنات الطائفية» ومن دون تعديل في مواد القانون المتصلة. إنما يلفت المصدر إلى أن القوانين مثل الدستور لا تتوقع عدم انتخاب رئيس للجمهورية أو شغور منصب الحاكمية، وخصوصاً أن الحاكم يُعيّن ولا ينتخب بقرار من مجلس الوزراء، وبالتالي لا يفترض أن يكون ثمّة شغور طويل.
من هذا المنطلق، تطرّق قانون النقد إلى حلول النائب الأول مكان الحاكم لمدّة قصيرة في حال استقالته أو انتهاء ولايته، ريثما يتمّ تعيين بديل، ولم يأخذ في الحسبان مشاكل كالتي تحصل اليوم.
في المحصلة، الطوائف نفسها التي تتصارع عند تعيين حاكم لمصرف لبنان حتى تضمن حصّة لها في «المركزي»، ستتصارع عند شغور المنصب على نفض يدها من أيّ مسؤولية، ولا سيما في ظل الانهيار الاقتصادي والمصرفي وسرقة الودائع. لذا، ثمّة أحجية اليوم تدور حول طريقة ملء الشغور في حال الفراغ الرئاسي وعدم انتخاب حكومة جديدة تقوم بتعيين حاكم جديد، وحول دور الحاكم المقبل وصفاته.
في الشقّ الأول، تشير مصادر مطلعة إلى فرضية يتمّ درسها في دوائر القرار حول إمكانية تمديد ولاية الحاكم إلى حين الاتفاق على حاكم جديد، أو اللجوء إلى حكومة تصريف الأعمال للتوافق على مرشح. لكن، هل يمكن لحكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم؟ تحيل مصادر قانونية الإجابة إلى اجتهاد مجلس شورى الدولة حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال في القيام بمهامّ ملحّة مرتبطة بمهل زمنية معينة. لكن ما الملحّ أكثر من ملء شغور حاكمية البنك المركزي؟ إلا أن هذه المهمة ستصطدم بأصوات مسيحية ترفض أي تعيين قبل انتخاب رئيس للجمهورية. تقليدياً، الحاكم من حصّة رئاسة الجمهورية أو يأتي برضاه، ويكون للرئيس الحصّة الأكبر في تسميته. ومن المرجح أن يُستخدم هذا الشغور للضغط قدماً في انتخاب رئيس.
أما الشق الثاني المتعلق بدور الحاكم المقبل، فيفترض أن يكون رهناً بخطة النهوض التي ستعتمدها الدولة اللبنانية، وهي لغاية اليوم غير واضحة المعالم. فلا الاتفاق مع صندوق النقد يبدو قريباً، ولا الاتفاق بين قوى السلطة على حلّ مختلف أيضاً. على أن المادة 70 من قانون النقد تحدّد أربع مهامّ رئيسية للمصرف المركزي: 1- المحافظة على سلامة النقد اللبناني، 2- المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، 3- المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي، 4- تطوير السوق النقدية والمالية. وبالتالي، فإن ما كان يقوم به سلامة من مساعدة الدولة على مضاعفة ديونها ليست ضمن الوظيفة بل تناقضها تماماً لأنها تهدّد سلامة النقد. شأنها شأن كل الوظائف التي ابتدعها لنفسه والتي لم ينتج منها سوى التضخّم وتعريض الأموال العامة والخاصة للمخاطر. علماً بأن القانون يمنح المجلس المركزي صلاحيات واسعة، من بينها السياسة النقدية، إلا أن هذا المجلس تنازل عن صلاحياته تلقائياً أو بالأحرى باتت وظيفته الرئيسية منذ سنوات البصم على قرارات سلامة الذي سيطر عليه بواسطة الحوافز التي أمّنها لأعضائه، رغم كونه عضواً في المجلس مثله مثل سائر الأعضاء الآخرين.
وتشير مصادر المركزي إلى أن نواب الحاكم منذ تعيينهم في عام 2020 يشاركون في القرار ويتدخّلون عند اللزوم، على أن هدفهم الأساسي الحرص على «عدم الإفراط في استخدام موجودات مصرف لبنان التي ينظرون إليها بوصفها احتياطات إلزامية ونسبة من الودائع». أما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فيلبّي، على ما قال خلال التحقيقات الأوروبية معه، كل طلبات الحكومة ولا سيما رئيس الحكومة ووزير المال، وهو في ذلك يطبق تعاليمهما بحذافيرها.
ليس في قانون النقد والتسليف ما يلحظ أيّ مخرج في حال استقالة حاكم مصرف لبنان ونائبه الأول
في الواقع، سلامة ليس إدمون نعيم الذي تمسّك باستقلاليّته في اتخاذ قراراته وتحديد سياساته وعدم تقبّله بأي صورة من الصور مشاركة الدولة في صياغة هذه القرارات والسياسات. فهو كان يتسلّح بهذه الاستقلالية وفق ما سرده نائب الحاكم السابق غسان العياش في كتابه «وراء أسوار مصرف لبنان نائب حاكم يتذكّر»، للتدقيق في طلبات إقراض الحكومة وامتناعه عن الموافقة على كل ما تطلبه. وهذا الأمر دفع الوزير الياس الخازن يومها إلى ترهيبه بقوّة السلاح لإخضاعه. وقبل أن يأتي رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري برياض سلامة بهدف تثبيت سعر الصرف ووقف الانهيار في سوق القطع، ما استوجب، وفق عياش، «اتفاقاً مثلّثَ الأطراف بين الحكومة والمصارف ومصرف لبنان، تساهم المصارف بموجبه في تمويل ديون الدولة مهما بلغت مقابل فوائد مجزية» وصولاً إلى «استعمال الودائع في تأمين استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية عن طريق تغذية موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية». فـ«التخلّي عن استقلالية السياسة النقدية منذ المنازلة الشهيرة بين الحاكم السابق إدمون نعيم وكل النظام السياسي وحتى اليوم»، وفق عياش «ساهم كثيراً في الواقع المالي والاقتصادي المأسوي الذي وصلنا إليه». فماذا تكون مواصفات الحاكم المقبل؟ وما سيكون مشروعه وسط قوى سياسية عاجزة وغير آبهة بالاقتصاد والمجتمع؟ هل سيكون الحاكم الجديد جسراً للاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، أم لديه مشروع أكثر ديناميّة لإنقاذ لبنان؟ ما هي الأدوات بعد انهيار القطاع المصرفي وانهيار العملة المحلية؟
الحاكم لن يذهب إلى باريس: فيلّا في دبي وأعمال في تركيا
بات مؤكداً أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لن يتوجّه الى باريس للمثول أمام القاضية الفرنسية أود بيروزي في السادس عشر من الشهر المقبل. ونقلت جهات على اتصال بسلامة أنه لم يكن مرتاحاً أبداً لطريقة التحقيق الذي أجرته بيروزي معه خلال زيارتها لبيروت مطلع الشهر الجاري، وأن لديه شعوراً بأن هناك «فخاً» يُنصب له. وهو أكد بعد جلستَي الاستماع أنه يشعر بوجود نيات سيئة، وحمل على جهات تقف خلف الحملة عليه.
وقال مصدر قضائي إن أمام سلامة نحو أسبوعين لحسم موقفه في شأن المثول أمام القاضية الفرنسية، وإن فريقه القانوني الموجود في فرنسا يحاول الحصول مسبقاً على جواب من بيروزي حول طبيعة الجلسة، وما إذا كان سيمثل كمشتبه به في ارتكاب جرم أو كمدّعى عليه أو كشاهد كما حصل في بيروت.
وقال مطّلعون على ملف التحقيقات في العاصمة الفرنسية إن القاضية الفرنسية كانت قد حسمت أمام أطراف عدة نيتها الادعاء على سلامة قبل مغادرتها منصبها آخر أيار المقبل، مشيرة إلى أن جلسات الاستماع في بيروت لم يكن الهدف منها الحصول على أدلة إضافية، وخصوصاً أنه ينفي تماماً كل ما يُنسب إليه في الملف، وإنما لسماع تعليق الحاكم على بعض الأمور، وكإجراء روتيني يفرضه القانون بالاستماع إلى إفادته قبل الادعاء عليه.
ويلفت هؤلاء إلى أن سلامة سيكون مضطراً، في حال الادعاء عليه، إما إلى أن يبادر الى التعاون مع السلطات القضائية الأوروبية أو الابتعاد عن الواجهة، بما في ذلك عدم التوجه الى أي بلد أوروبي، إذ إن تطور الملف القضائي ضدّه قد يشتمل على إصدار مذكرة توقيف.
وفي هذا السياق، نقل زوار الإمارات العربية المتحدة عن رجال أعمال وسماسرة أن سلامة ابتاع فيلّا في منطقة جميرا قرب دبي، وأنه بصدد الانتقال للإقامة هناك بعد مغادرته منصبه، وأنه بدأ يتشاور مع ناشطين في عالم المال والأعمال حول فكرة الانتقال الى العمل في تركيا، وربما الإقامة فيها، ربطاً بكون سلامة سيكون باحثاً عن بلد لا وجود فيه لاتفاقية لتسليم المطلوبين.