ماذا بعد فشل الحكومة؟
لا شك أن تعيين خلف للوزير المستقيل ناصيف حتّي جرى في زمن قياسي، فلم يمضِ على استقالته أكثر من ست ساعات حتى كان السفير وهبي قد حلّ مكانه، ما يشي بأن هناك إصراراً واضحاً من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة على التمسك بالحكومة القائمة والسعي الحثيث لعدم تعريضها للسقوط. ومع ذلك وجب القول إن هذه الاستقالة لم تكن أمراً طبيعياً في ظروف غير طبيعية من الممكن أن يمرّ مرور الكرام.
فالضغوط لإفشال الحكومة وإسقاطها قائمة دولياً وإقليمياً، والداخل اللبناني المعارض يترجمها في كثير من المواقع، كما أن المؤيدين للحكومة من مناصري الثامن من أذار لم يعودوا متحمّسين للدفاع عنها للبطء الواضح في مسيرتها الإصلاحية، بحيث إنها لم تستطع فك أي من العقد المتمثلة في الاقتصاد والمال والكهرباء والفيول وغيرها، بل بدأ عجزها في التعامل مع الظروف الصحية (بغض النظر عن الأسباب الواقعية) وهي التي قدّمت في بداية هذه الأزمة نموذجاً يُقتدى به.
ويلاحظ كل متابع أن البلد يرزح تحت أزمات متنوعة لأسباب موضوعية وذاتية في آن واحد، إذ لا يختلف اثنان على أن حكومة الدكتور دياب تسلّمت زمام الأمور في أحلك الظروف التي عاشها لبنان منذ استقلاله، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلّة وتلقي بثقلها على كل أركان الدولة دون استثناء، وهذا ما قد يجد المراقب شيئاً من العذر لإخفاق هذه الحكومة.
كما أن هناك المصطادين في الداخل والخارج لأي زلة يرتكبها دياب وحكومته سعياً لإفشاله للتخلي عن سدة الرئاسة. لكن الإنصاف يقتضي القول إن الرئيس دياب كان يعلم عند تصديه للرئاسة ما تعانيه البلاد وأبدى تحدّياً صارخاً للتغلب على كل الظروف القاهرة، كما كان يعلم أن في الأفق جهات معروفة ستحارب مسيرته في كل الدروب ،خصوصاً وأن حكومته جاءت من لون واحد وكتلة واحدة ولو أُطلق عليها تسمية التكنوقراط. لذلك لا ينفع الناس وهم في أتون اللهيب الاقتصادي والسياسي، والمجاعة تكاد تطرق أبوابهم، إلقاء التهم الضبابية ضد رموز رمادية، والشكوى الدائمة والتظلّم والتبرّم، وعدم تحمّل مسؤولية الفشل من خلال أعذار يمكن تفسيرها لكن لا يمكن تبريرها، فالبلد يرتقب حلولاً لأزمات عالقة منذ أكثر من ستة أشهر، والأمور تزداد قتامة وتأزماً، وليس هناك من بوادر إصلاح أو تغيير.
ومع كل ذلك لا بد والإذعان بأن استقالة الحكومة في هذا الوقت العصيب لا يمكن أن يكون حلاً واقعياً لعدم القدرة على اختيار بديلها في زمن مقبول، وتجارب تشكيل الحكومات اللبنانية تثبت ذلك، فضلاً عن أن هناك ملفات جديدة حساسة يجب معالجتها بحكمة وروية، مثل صدور الحكم النهائي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بالإضافة إلى الأزمة المستجدة بين لبنان والعدو الصهيوني وما قد تخبئه الأيام القليلة المقبلة من مفاجآت.
لقد جرى تدارك استقالة وزير الخارجية، وقيل إن هناك استقالات متوقَّعة لوزراء آخرين، وسواء صدق ذلك أم لم يصدق، فإن هناك فرصة للسعي للتعديل الحكومي، فالجميع مدرك أن هناك وزراء أثبتت الشهور الطويلة فشلهم وعدم قدرتهم على مجاراة الأزمات المتأرجحة التي تعصف بالبلاد والعباد، وضخ الحكومة بدم جديد محاولة يجب السعي لها خصوصاً وأن أمور البلاد كافة لا تسير في مسلك سليم، والناس الذين تحمّلوا شهوراً ستة لهذه الحكومة لم يعد لديهم جميل الصبر ولا القدرة على التحمّل، فهل سينتفض الرئيس دياب على حكومته لإحياء حركتها وإنعاش انطلاقتها قبل أن ينتفض الناس عليها، ومنهم من كانوا من المؤيدين لها والداعمين لمسيرها.