
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام في صحيفة اللواء يقول:
لم يعد المشهد اللبناني يحتمل التجميل أو الترقيع. فبين المراوحة القاتلة على الحدود الجنوبية، واستمرار الخروقات والغارات الإسرائيلية اليومية، يواصل الداخل السياسي غرقه في وحول الانتخابات النيابية المقبلة، وكأن البلاد ليست على فوهة بركان يُهدّد وجودها واستقرارها معاً.
وفي الوقت الذي أطلق فيه رئيس الجمهورية مبادرة للذهاب إلى التفاوض، وخرج الشيخ نعيم قاسم بتطمينات حول «أمن المستوطنين»، لم يتحرك ساكنٌ في الموقف الإسرائيلي، بل ظلّ جامداً، متحفّظاً، ومتربصاً بانتظار لحظة مناسبة قد تتحول إلى ضربة واسعة للبنية العسكرية لحزب الله بعد زيارة البابا.
غير أن الأخطر من التصلب الإسرائيلي هو الاستهتار المحلي. فالمؤسسات الدستورية تحوّلت إلى غرف انتخابية مغلقة، والكتل النيابية لا ترى من المشهد إلا صناديق الاقتراع، وكأن الحدود لا تحترق، وكأن احتمالات الحرب لا تقرَع أبواب الجنوب كل يوم. مشهد عبثي لا يليق ببلد يعيش على خطوط الزلازل السياسية والعسكرية، ويحتاج إلى خطة إنقاذ وطنية، لا إلى مهرجانات ومناورات ومزايدات انتخابية.
فالسلطة التنفيذية تبدو عاجزة عن جمع المكوّنات السياسية حول موقف واحد، لأن الجميع منشغل في ترسيم دوائره وتحالفاته الإنتخابية. فيما السلطة التشريعية تواصل دفن المشاريع الإصلاحية في أدراجها، وكأن الزمن يقف بانتظار مزاج النواب. الإصلاحات التي كان يفترض أن تضع لبنان على طريق التعافي تُدفن اليوم تحت أكوام النكايات، فيما البلاد تسير إلى مواجهة لا نملك فيها ترف الوقت ولا هامش المناورات.
أما إسرائيل، فتعرف جيداً هذا الانكشاف اللبناني. تعرف أن الطبقة السياسية مشتتة، وأن لا قرار وطنياً موحداً، وأن الانتظار سيطول طالما أن الأولويات الداخلية محكومة برزنامة انتخابية لا تُقيم وزناً للأمن القومي. وهذا ما يجعل تل أبيب «أكثر جرأة» في التفكير بضربة مركزة في الجنوب، ضربة تعيد حسابات الردع قبل أن تزداد تطورات غزة تعقيداً، وقبل أن يتحول نتنياهو إلى متهم أمام الرأي العام الإسرائيلي. فالحكومة الإسرائيلية اليوم تبحث عن مكسب سريع، وعن توازن ميداني يعوّض ارتباكها الداخلي ويبعد شبح المحاكمة عن رئيسها. وأي لحظة سياسية مناسبة – وقد تكون بعد زيارة البابا – قد تُفتح فيها شهية إسرائيل على مغامرة عسكرية جديدة.
لكن الحقيقة المرّة أن لبنان يدفع ثمن المراوحة أكثر من إسرائيل. فالجنوب مستباح يومياً، والاقتصاد على شفير الانهيار الأخير، والدولة عاجزة عن اتخاذ أي خطوة فعلية لتحصين موقعها التفاوضي. في ظل غياب رؤية رسمية وسياسية موحدة، يصبح لبنان ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية، وبلا قدرة على منع الانفجار أو حتى احتوائه.
وإذا كانت إسرائيل تنتظر اللحظة المناسبة، فإن لبنان ينتظر «معجزة ما». وبين الانتظارين تتوسع الفجوة: إسرائيل تتحضر، ولبنان يتلهّى؛ إسرائيل تخطط، ولبنان يتشاجر؛ إسرائيل تفكر بالضربة، ولبنان يفكر بالانتخابات.
إن الوضع لم يعد يحتمل التعامي. البلاد بحاجة إلى قيادة سياسية تتصرف بمنطق الدولة لا بمنطق الحملات الانتخابية؛ بحاجة إلى مجلس نيابي يُخرج المشاريع الإصلاحية من السجن السياسي؛ وبحاجة إلى موقف وطني جامع يتجاوز الحسابات الصغيرة، ويقطع الطريق على سيناريو الحرب.
إن أخطر ما يواجهه لبنان اليوم ليس الطائرات الإسرائيلية ولا حسابات نتنياهو ولا سيناريو الضربة المحتملة بعد زيارة البابا، بل هشاشة الداخل اللبناني نفسه. إن طبقة سياسية تنشغل بفتات المقاعد فيما البلد كله مهدد بالاختفاء من الخريطة، لا تستحق أن تُسمّى قيادة، ولا تملك شرعية تقرير مصير وطن يقف على حدود الانفجار.
لقد أصبح واضحاً أن إسرائيل ليست وحدها من يرى لبنان دولة بلا قرار، بل إن معظم اللبنانيين باتوا يدركون أن «حماية الوطن» ليست أولوية لدى هذه الطبقة السياسية المعلقة بين تحالفات انتخابية وخصومات سخيفة، بينما الجنوب يُقصف، والمؤسسات تتعطل، والمشاريع الإصلاحية تُدفن .
جهابذة السياسة في هذا البلد أشبه برجل ينشغل بترميم شرفته فيما بيته يحترق!!


