ماتم رسمي وشعبي للزميل أدمون صعب في زحلة
ودعت مدينة زحلة ومعها الجسم الاعلامي الصحافي إدمون صعب بمأتم رسمي وشعبي، شارك فيه ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب سليم عون، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب قاسم هاشم، ممثل الرئيس المكلف سعد الحريري النائب عاصم عراجي، ممثل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل الوزير السابق كابي ليون، ممثل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط النائب هنري حلو، ممثل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع منسق الحزب في زحلة المحامي طوني قاصوف، نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف قصيفي والنقيب السابق الياس عون، ممثل رئيس بلدية زحلة المهندس اسعد زغيب المهندس طوني ابو يونس وشخصيات.
وترأس الصلاة لراحة نفس الراحل في كاتدرائية مار مارون في كسارة – زحلة، راعي ابرشية زحلة المارونية المطران جوزف معوض، عاونه راعي ابرشية زحلة للروم الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش ولفيف من الكهنة.
معوض
وبعدما تلا درويش الانجيل المقدس، ألقى معوض عظة قال فيها: "يغيب الصحافي الكبير المرحوم ادمون صعب، نودعه بالرجاء المسيحي ونرافقه بالصلاة في عبوره من هذا العالم الى بيت الاب في السماء، ضارعين الى الله من اجله ليشمله برحمته ويضمه الى جوق الابرار الصديقين فينال معهم السعاده الابدية".
أضاف: "ان غياب المرحوم ادمون صعب يقودنا الى مساءلة النفس مجددا حول اسئلة وجودية مثل: ما معنى الحياة في هذه الدنيا؟ ما معنى الالم؟ ما معنى الموت؟ ما هو مصير الانسان؟ لا يستطيع الانسان بحكمته الذاتية ان يعطي جوابا وافيا على هذه الاسئلة، انه يحتاج الى النور الاتي من السيد المسيح الذي قال انا نور العالم. فيسوع المسيح هو النور السماوي الذي ينير الحكمة البشرية لتدرك ان غاية حياتنا الزمنية على هذه الارض هي الاعداد لمشاركة الله في حياته الآلهية المجيدة في السماء وان الموت هو عبور الى هذه الحياة. وهذا من شأنه ان ينعش الرجاء في قلوبنا ويسكب فيها العزاء".
وتابع: "ان نور السيد المسيح يجلب لنا حقيقة الوجود ومن يستنير بنوره يشهد للحقيقة، والمرحوم ادمون شهد للحقيقة عبر رسالة في الصحافة التي كرس لها حياته بعد ان انهى دروسه الثانوية في الكلية الشرقية في زحلة، حيث شرع سنه 1965 في دراسة الحقوق في الجامعة اليسوعية، ونال الاجازات فيها بعد اربع سنوات. وفي العام نفسه بدأ العمل في جريدة النهار واستمر فيها 45 سنة، تولى خلالها عدة مسؤوليات منها دار النهار لنشر الكتب. وفي سنه 1969 اسندت اليه رئاسة تحرير مجلة المختار من ريدرز دايجست، ونشرت جريدة السفير مقالاته فيها في كتاب بعنوان تموز سراج الهداية، وقبل وفاته كان يهيىء لكتابين احدهما عن سيرته الشخصية بعنوان "سيرة ابن فلاح على نورج من برج العذراء الى الخندق الغميق"، والاخر بعنوان "عمر مع غسان التويني في رهبانية النهار". كما كان يهيىء لنشر مقالته في ستة اجزاء في النهار".
وأردف: "تميز الصحافي ادمون صعب بعطاءاته الزاخرة وبشخصيته العصامية ورأيه الحر والمترفع عن الاستمالة والمحاباة، وعرف بثباته في مواقفه الوطنية المتجردة والرشيدة والمخلصة. ان النهج الذي انتهجه يظهر كيف ان للصحافة دورا في اصلاح المجتمع والوطن عبر طرح المبادىء الثابتة والتحاليل السياسية الرامية الى الخير العام بعيدا عن المصالح الانانية والفئوية. نحتاج دوما الى صحافة تعلن الحقيقة بموضوعية تبني وتساهم في انضاج الرأي العام، ومن المؤسف ان نسمع او نقرأ بين الحين والاخر أخبارا ملفقة مجهولة المصدر غايتها البلبلة وارضاء الفضولية الفارغة".
وقال: "لم يكن المرحوم ادمون صعب الصحافي اللامع الذي ترك اثرا كبيرا في المجتمع اللبناني وحسب بل كان ايضا الصحافي المؤمن. فهو الذي ثابر على الصلاة والمشاركة في الافخارستيا يوم الرب والتزام بالصوم، وهذه الافعال الروحية تدخل الانسان في شركة مع الله مرجعية كل حي، بدونها يبقى الانسان غريبا عن ذاته وعن معنى وجوده. وحفظ في قلبه اكراما خاصا للعذراء مريم التي هي امنا تشفع من اجلنا في مسيرتنا الى الملكوت السماوي. وقرن ايمانه بالمحبة، فقدم المساعدة في الخفاء، وبذلك صنع له كنزا في السماء لان كل ما نفعله لاحد اخوتنا المحتاجين كأننا فعلناه للسيد المسيح".
أضاف: "المرحوم ادمون هو الزوج والاب دعاه الله الى انشاء العائلة مع السيدة سعاد النحاس وباركهما بالابنين والابنة. قام المرحوم ادمون تجاههم برسالة التربية، فنقل اليهم الايمان ووفر لهم العلم وطاب خاطرا بهم ينطلقون على دروب الحياة. ومع ما اغتنى به من غزارة الانتاج، وما امتاز به من فكر نير وثاقب، ظل محافظا على تواضعه في تعامله مع الاخرين وتضامنه معهم في افراحهم واحزانهم. حمل الصليب بما عاناه في صحته، ووجد تعزيته في العائلة التي احاطته بالمحبة والعناية، صبر على آلامه. ونحن نؤمن انطلاقا من الفداء الذي حققه المسيح يسوع بآلامه على الصليب ان الالم يكتسب قيمة منقية لمن يحتمله بالصبر".
وختم: "نودعه اليوم على رجاء القيامة من بين الاموات، ونلتمس من الله مؤمنين شهودا للحقيقة، ولا سيما في مجال الصحافة. ومعكم أتقدم بالتعزية الى زوجته وابنيه وابنته وشقيقته وعائلتهم وكل الانسباء، والى نقابة الصحافة اللبنانية، والى نقابة محرري الصحافة اللبنانية، راجيا للصحافي الكبير المرحوم ادمون اصعب الراحة في الملكوت السماوي، ولكم العمر الطويل نلتزم فيه بالشهادة للحقيقة التي تنير وتحرر".
قصيفي
بدوره، رثى قصيفي الراحل قائلا: "من كان مثله لا يدركه الغياب، انه سيد الحضور، يعتلي صهوة المنون، فارسا زاده الخلود، كسر يراعته ومضى، فسال الحبر دمعا يحكي قصة مبدع، تفجر نبع عطائه منسابا في مسام الورق: موقفا ماضيا كحسام مسلول من غمده الموهبة التي حباه الله، يصوغها كلمة حق في وجه اعتى السلاطين جورا، بها يقتحم اكثر العقول تكلسا، ويفتح القلوب المستغلقة على الرحمة، ويكتب مستقيما في خطوط متعرجة".
أضاف: "إدمون صعب لم يكن صحافيا فحسب بل صانع رأي عام ينقض على القضايا الماثلة انقضاض العقاب، فكان مرجعا وملاذا وكان له مريدون تحلقوا حوله منذ ستينيات القرن المنصرم، وأسسوا لنهضة شبابية مطلبية انخرط فيها متنورون من كل الضفاف الحزبية، كان الجامع بينهم نهضة لبنان بكل قطاعاته، فوفر لهم وسائل التعبير عما يستبد بهم من هواجس، ويستهويهم من اهتمامات. كان صوتا صادحا، بل صارخا في برية الوطن، وكان ضمير لبنان الحر القوي الوفي لتاريخه وتراثه، وحضارته الانسانية وتصدى في مقالاته واطلالاته لكل من سعى الى استباحته، وللفاسدين والمفسدين من دون هوادة، فاستحق احترام اللبنانيين واعتبروه عن حق الناطق باسمهم والضارب بسيفهم".
وتابع: "هذا الفتى الزحلي الذي تستعيده عروس البقاع الى ترابها الندي العابق بأريج الشعر والبطولة، وكل اشياء السحر والجمال، كان مدرسة في الصحافة وعلما من اعلامها، بل منارة طالما استهدى بها الزملاء الذين وجدوا فيه القدوة والمثال. جمع الحداثة الى العراقة والشجاعة الى روح المسؤولية، وضع السيف في موضع السيف والندى في موضع الندى. يغيب ادمون صعب والصحافة تعيش في اسوأ ايامها، هل قرر الرحيل مؤثرا ان يكون شهيدا على ان يكون شاهدا؟".
وختم: "رحمك الله يا ادمون رحمة واسعة، وافسح لك في أخداره، ونقابة محرري الصحافة اللبنانية التي تبكيك وتفتقدك رائدا ومعلما، وقامة لبنانية وهامة ارزية عنوانها الشموخ، تتقدم من عائلتك ومن اصدقائك ومحبيك وقادريك الكثر بأحر مشاعر العزاء واصدقها".
وسام
وفي ختام المأتم، قلد ممثل رئيس الجمهورية الراحل وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذا السعف.
بعد ذلك، ووري الجثمان في الثرى بمدافن العائلة في المعلقة، على أن تقبل التعازي في صالون كاتدرائية مار مارون في كسارة.