بقلم د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز
يستحقُ المؤتمر لهذا العام ، والمنعقد يوم الجمعة ٢٠٢٣/٢/١٧ ، في مدينة ميونيخ الالمانية ، عنوان ” مؤتمر ميونيخ للحرب ، بدلاً من مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي . و للأمانة ، وبدون تجنّ على نوايا وارادات الهيئة التأسيسّية للمؤتمر ، و الذي ابتدأ ( واقصد المؤتمر ) انعقاده السنوي و بانتظام ،منذ عام ١٩٦٣ ،لم ينعمْ العالم بالامن و بالسلام ،بل العكس .
ليستنفر القارئ ذاكرته ويّعد الحروب و المآسي التي واجهتها شعوب مستضعفة منذ انطلاق المؤتمر وحتى يومنا هذا ! حروب عسكرية واقتصادية و حصار و احتلال في آسيا و افريقيا وامريكا اللاتينية و اوروبا ؛ وفي مقدمة هذه الحروب والمآسي ، حرب واحتلال فلسطين . هل يخطرُ على بال المؤتَمرين نقاش موضوع حقوق الشعب الفلسطيني و مصير الدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الامم المتحدة و الشرعية الدولية ؟ هل يُفكّر القادة المؤتَمرون بأن أمن شعوب العالم يقتضي انهاء احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً ، ويقتضي تطبيق القانون الدولي و الشرعية الدولية على كيان اسرائيل ؟
مؤتمر ميونيخ للأمن خدعة واكذوبة ، وحقيقته هو تكريس لارادة القوة على القانون والعدل ،هو تجديد وتأكيد لارادة تطبيق المعايير المزدوجة . هو تبادل آراء وتشاور لديمومة منظمومة الاستبداد و هيمنة القطب الامبريالي الصهيوني .
مؤتمر ميونيخ للأمن هو ،في عنوانه ،لا يختلف عن ” بدعة “
عبارة ” أمن واستقرار المنطقة ” المعمول به منذ خمسينيات القرن الماضي ،لتكريس احتلال اسرائيل ،وضمان امنها وتفوقها ،واليوم لارساء هيمنتها في المنطقة . مرّت المنطقة بمنعطفات ( حروب ،اتفاقيات سلام ،اتفاقيات اوسلو ،والآن تطبيع ) عدّت جميعها بفيزة ” امن و استقرار المنطقة ” ، ولم ترْ المنطقة لا أمن ولا استقرار .
ويكذبُ الامريكان حين يسّوقون للتطبيع مع اسرائيل حُجّة امن واستقرار المنطقة! حيثُ أدّعتْ نائبة وزير الدفاع الامريكي للشرق الاوسط دانا سترول ، في الاجتماع الذي انعقد في الرياض في اطار مجموعة عمل حول الدفاع والامن بين امريكا ومجلس التعاون الخليجي ،قبيل اجتماعهم في براغ ،والذي يتزامن مع اجتماع ميونيخ ، قالت ” جلوس مناطق اخرى ( تقصد دول اخرى ) بالجلوس على نفس الطاولة مع اسرائيل تخدم الامن و الاستقرار في المنطقة ” .
صّرحَ الرئيس الفرنسي ماكرون في المؤتمر ،يوم الجمعة والموافق ٢٠٢٣/٢/١٧ ، ” اننا جاهزون لنزاع طويل الامد في اوكرانيا ” . وقال ايضاً ” ان الوقت الآن ليس للحوار ” .
و زادَ المستشار الالماني شولتس ،على ما قاله ماكرون ، بطلبه الى الحكومات الاوروبية بالاسراع في تزويد اوكرانيا بالدبابات ، وتعهد بتزويدها بمركبات ليوبارد 2 .
اذاً التصريح يدّلُ على نيّة وارداة اوروبا بنزاع مُسلّح طويل الامد في اوكرانيا ، وليس فقط بنزاع !
جاء تصريح الرئيس ما كرون ليسبق خطاب الرئيس بوتين والمنتظر يوم الثلاثاء المقبل ،الموافق ٢٠٢٣/٢/٢١ . وتُشير معلومات عن خطاب حرب و انتصار ،ساحة الحرب هي اوكرانيا ، ومساحة الانتصار اكبر سياسياً و ميدانياً ؛ سيكون انتصار ضّد الهيمنة الامبريالية العالمية ، وضّد سياسة القطب الواحد .و ما يؤكّد ما نكتبه هو استراتيجية السياسة الخارجية الروسية ،التي اعلن عنها السيد وزير خارجية روسيا قبل يوميّن ، وفحواها هو مقارعة الامبريالية الامريكية و دعم العدالة و القانون الدولي ، والغاء سياسة فرض الهيمنة الامريكية و ازدواجية المعايير .
موقف اوروبا في مؤتمر ميونيخ ،والذي يعلن استعدادها لنزاع طويل الامد ، جعلها تتقدم على امريكا في صدارة النزاع المسلّح ، اي بعد عام على الحرب ،اصبحت الحرب ،الآن حرب روسيّة اوربية امريكية ،وليس حرب روسية امريكية اوربية ! لكن المستفيد الاول هو امريكا .
نجحت امريكا في تحقيق الهدف الاول من النزاع وهو ان تكون هويّته فكرياً وسياسياً اوروبيا وليس فقط من الناحية الجغرافية .
ستتفرغ امريكا اذاً للصين ومناطيدها و مفاجآتها ، و تترك اوروبا والناتو لينشغلان في اوكرانيا و روسيا .
لم يقدِمْ الرئيس الفرنسي على التصريح باستعداد اوروبا لنزاع مسلّح طويل الامد الّا بعد اطمئنانه إلى موقف وتضامن واستعداد الماني مماثل . اصبحت المانيا الآن سياسياً واقتصادياً تدور في فلك الناتو و امريكا ، تحررّت على ما يبدوا من اعتمادها على الغاز الالماني ، واصبحت بعيدة عن موقعها المعروف بالحيادي النسبي و البعيد عن التسليح و الانخراط في النزاعات المُسّلحة . وهذه عوامل تنذُرُ بحربٍ طويلة من حيث الزمن وواسعة المساحة من حيث الجغرافية .
ليست الشعوب الاوربية بغفلةٍ عما يرتكبه قادتهم ،وعما ينتظرهم من تداعيات و خطر انزلاق نحو حرب كوّنية ، ويدرك النُخب ، وحتى قادة اوروبا ، بعدم قبول الرئيس بوتين غير الانتصار ، وسيكون رهان الاطراف المتنازعة على معنى و مفهوم ” الانتصار ” .
* رئيس المركز العربي الاوروبي للسياسات
و تعزيز القدرات / بروكسل / ٢٠٢٣/٢/١٩.