مؤتمر “بيروت 1”: الإنجازات والآمال في مواجهة الواقع المرير(عماد عكوش)

بقلم د.عماد عكوش – الحوارنيوز
أطلق مؤتمر “بيروت وان” Beirut One) ) رسالة طموحة لإعادة إحياء الاقتصاد اللبناني ، لكن تحقيق هذه الآمال يرتبط بشكل كامل بمعالجة العيوب الهيكلية في النظام السياسي والقضائي وفي القطاع العام.
ما الذي حققه المؤتمر؟
استطاع هذا المؤتمر تحقيق عدة نقاط مهمة منها :
- إطلاق رؤية اقتصادية : قدّم المؤتمر “رؤية لبنان 2035” التي تهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق فائض في الميزانية بحلول عام 2026.
- جذب الاهتمام الدولي : نجح في جلب ممثلين رفيعي المستوى من دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، بالإضافة إلى صناديق تمويلية كبرى مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الدولي . هذا في حد ذاته إنجاز بعد سنوات من العزلة الدولية.
- عرض مشاريع قابلة للتنفيذ: ركّز على مشاريع محددة في قطاعات حيوية ، أبرزها :
o الطاقة : استثمارات في الغاز الطبيعي وتحسين قطاع الكهرباء.
o النقل : تطوير مطار رفيق الحريري الدولي والموانئ.
o البنية التحتية الرقمية : مشاريع الألياف البصرية وشبكات الجيل الخامس.
ماذا يُؤمَل منه؟
الهدف الأساسي هو تحويل هذه الرؤية والمشاريع إلى استثمارات فعلية على الأرض ، مما يؤدي إلى :
- خلق فرص عمل جديدة .
- إعادة بناء الاحتياطيات من العملات الأجنبية.
- إطلاق عجلة النمو الاقتصادي وبنسب يمكن ان نستعيد معها المفقود منذ سنوات.
لكن يبقى السؤال الجوهري هل يمكن جذب المستثمرين في ظل الوضع الحالي؟
من المؤكد ان هذا الامر سيكون صعبًا للغاية ، والاستثمارات الكبيرة لن تأتي دون إصلاحات جذرية مسبقة. فالمستثمرون المحليون والدوليون ، يتخذون قراراتهم بناءً على الثقة والاستقرار والعائد المتوقع والتحديات الحالية تشكل عوائق هائلة ومنها :
النظام السياسي والفساد :
- أشارت تصريحات في المؤتمر نفسه إلى وجود “إدارة غير طبيعية” و”فساد غير طبيعي” في إدارة المرافق العامة.
- عدم استقرار الحكومات وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية وهذا يقتل ثقة المستثمر.
- حق الفيتو المعطى للطوائف يخلق بيئة غير مستقرة ويجعل المستثمر يخشى من فرض عقوبات خارجية نتيجة لعدم القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب ، أو من انزلاق البلاد إلى نزاع مسلح في أي لحظة.
نظام القضاء وغياب سيادة القانون:
- أكد المشاركون في المؤتمر على أن “القضاء المستقل والنزيه” هو شرط أساسي لأي استثمار.
- المستثمر يحتاج إلى ضمانات بأن نزاعاته ستُحسم في محاكم عادلة ونزيهة وبوقت قياسي، وليس في محاكم تُسيّس قراراتها أو تتأثر بالواسطة والفساد.
- بدون سيادة القانون وتفعيل القضاء ، لا ضمان لحماية استثمارات المستثمر من النهب أو المصادرة أو التعطيل البيروقراطي.
عدم الإصلاح في القطاع العام والبيروقراطية :
- القطاع العام يعاني من الهدر والواسطة والروتين القاتل. الحصول على ترخيص لمشروع قد يستغرق سنوات.
- القوانين الحالية خاصة في مجالات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قديمة ولا تتلاءم مع متطلبات العصر، كما أُشير في المؤتمر.
- المستثمر يبحث عن بيئة سهلة وميسرة ، وليس بيئة معقدة ومكلفة تشكل عبئًا عليه قبل أن يبدأ عمله.
عدم الاستقرار الأمني والجيو-سياسي :
- التصعيد المستمر على الحدود الجنوبية مع إسرائيل يخلق حالة من عدم اليقين، وهو “سم قاتل” للاستثمار. لا أحد يستثمر أمواله في منطقة قد تتحول إلى ساحة حرب.
في النهاية مؤتمر “بيروت وان” كان ضروريًا لوضع البلد على الخريطة الاستثمارية مرة أخرى، لكنه ليس كافيًا بحد ذاته،إلا أنه يمثل رسالة إيجابية، اذ ان المؤتمر أعاد فتح قنوات الاهتمام مع العالم العربي والدولي، وأظهر أن هناك رغبة من بعض الأطراف في التغيير، لكن الواقع مرير، فالشركاء الدوليون والعرب واضحون: الإصلاحات أولاً ثم الاستثمارات . حضورهم كان “رسالة ثقة”، ولكن استثماراتهم الحقيقية والواسعة معلقة على تنفيذ إصلاحات ملموسة.
في ظل الوضع الراهن ، ومع بقاء النظام السياسي والقضائي على حاله دون إصلاح حقيقي ، لن نشهد سوى استثمارات محدودة أو خاصة تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الكثيرة التي تحيط بهذه الاستثمارارت . أما الاستثمارات الكبيرة والتي يمكن ان تؤدي الى تنشيط للنمو الاقتصادي ، فستبقى رهينة إصلاحات جذرية تبدأ بإصلاح النظام السياسي نفسه. وهذا يتطلّب معالجة الإشكالات الأساسية ، مثل منح جميع المكونات صلاحية التعطيل ، ووضع آليات واضحة وملزمة زمنيًا للاستحقاقات الدستورية وإصدار القوانين ، وإنهاء نظام المحاصصة ، وفرض محاسبة حقيقية ، وإقرار تشريعات مالية وقضائية عادلة ، واستعادة هيبة الدولة وسيادة القانون.



