لودريان يخيّر معسكر الرفض: الحوار أو.. الفوضى (حسن علوش)
حسن علوش – الحوارنيوز – خاص
واضحٌ وجليٌ بيان الدول الخمس التي اجتمعت في العاصمة القطرية لجهة الحث على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وفقا لأحكام الدستور اللبناني.
اعتبر البعض أن النص ينزع التفويض الممنوح لفرنسا ويغير منهجية التعامل في ملف الرئاسة: من الحث على الحوار الوطني اللبناني سبيلا لمقاربة هذا الملف، إلى الدعوة الى انتخابات “كسر عظم” والقبول بالنتائج والتداعيات مهما جاءت.
قوى وكتل المعسكر الرافض للحوار الوطني، تدرك قبل غيرها أن رفض الحوار الوطني لا يعني عدم انتخاب رئيس للجمهورية فحسب، بل يعني أن الرئيس العتيد الذي قد يأتي بمعركة ديمقراطية خارج التوافق، سيكون محكوما بفراغ من نوع آخر، ولن يتمكن من الحكم، لأن لبنان لا يحكم بغير التوافق في الملفات الرئيسية الكبرى، أكانت سياسية أو اقتصادية، فما بالنا ونحن امام مرحلة جديدة تستدعي خططاً إصلاحية خمسية أو عشرية تتناول مختلف جوانب الحياة العامة في البلاد، بالإضافة الى ملفات سيادية ساخنة كترسيم الحدود ومواجهة الأطماع الإسرائيلية والحديث عن تسويات في المنطقة، ومصير النازجين السوريين الى لبنان وقبلهم اللاجئين الفلسطينين…
“… لبنان هذا يجب أن يحكم بحكمة لا بقوة. ذلك أن القوة تجمّد المواقف فتتنافر، في حين تقرّبها الحكمة، فتتّحد. والإتحاد هذا، سبيله إجتماع المتناقضات والمفارقات في عملية صنع القوانين معاً، فتتوازن القوانين والمصالح عندما تستلهم أمثولات الماضي ولو تخطت قواعد الديمقراطية الجامدة”، على ما عبر عنه الصحافي الكبير الراحل غسان تويني في مقدمته الثانية لكتاب ميشال شيحا (لبنان اليوم 1943).
ولفهم مقاصد تويني يقول ويردد شيحا: إن مجلس النوّاب عندنا ليس وليد مفهوم ديمقراطي للحياة الوطنية وحسب… المجلس، قبل أن يكون تعبيراً عن الديمقراطية، هو نقطة الإلتقاء الضرورية بين الطوائف المتحدة في هذا الوطن. إنه المظهر الرسمي لإرادة الحياة المشتركة، بل إرادة الحكم المشترك… مجلس النواب هو شرط التوازن والتناسق… هو شرط الإرادة المشتركة ومركز تجليها لتشهد بسعادة الحياة المشتركة… فإذا تعزز المجلس، إزدادت حظوظ التعايش بسلام، والتعايش في السعادة والحريّة”.
الإستشهاد بشيحا لا يعني بالضررة الموافقة على فلسفته لوجود الكيان اللبناني الطائفي، بل لتذكير القوى والكتل الطائفية بأن نظام السياسي للكيان اللبناني قام على فكرة الحوار وعندما تسقط هذه القيمة لا يبقى لبنان الذي نعرفه.
والمفارقة أن القوى الرافضة للحوار الوطني اللبناني في ما يتعلق بالإستحقاق الرئاسي، هي هي التي تمانع وترفض أي مسّ بصيغة الحكم الطائفي المقيت ،وترفض تنفيذ البنود الإصلاحية التي أجمع عليها اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية، وكُرست “بوثيقة الوفاق الوطني” المعروفة “بإتفاق الطائف” وباتت جزءا لا يتجزء من الدستور اللبناني.
لقد خبر الشعب اللبناني معنى رفع المتاريس بدلا من طاولات الحوار: في العام 1958 وفي العام 1975، فلماذا يصر، اليوم، معسكر الرفض نفسه على إقامة المتاريس بدلا من الحوار؟
سؤال حيّر الجانب الفرنسي الذي استغرب حماسة بعض الدول، من مجموعة الخمسة، “لإنتخاب خارج التوافق”، على ما نقل لمجموعة قريبة من الدوائر الفرنسية المعنية بالملف اللبناني.
وتقول المعلومات أن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان سيحل ضيفاً على لبنان غدا الثلاثاء، ومعه أجوبة واستفسارات تتعلق ببيان الخماسية، لكن الأهم، أنه باق على قناعته بأن “لا طريق الى الرئاسة في ظل الإنقسام الخطر الذي يعيشه لبنان وفي ظل المخاوف والمخاوف المقابلة بين المكونات اللبنانية”.
سيردد لودريان عبارة: الحوار أو الفوضى، وإن بقوالب ديبلوماسة مختلفة ، وقد يتجاوز حدود اللياقة الفرنسية المعهودة، فهل سيقرب المجموعات اللبنانية من بعضها أم أنه سيترك لبنان الى مصيره وينعي مبادرته ومن بعدها بيان الخماسية؟