لهذه الاسباب اوقف وزير المال صرف الاموال باستثناء الرواتب
توجب المادة 87 من الدستور عرض حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة على المجلس النيابي ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة، على أن يوضع قانون خاص لتشكيل "ديوان المحاسبات."
وقد أنشيء ديوان المحاسبة وجرى تنظيمه وأولي مهمة الرقابة حسابات الأموال العمومية واستعمال هذه الأموال، ومدى انطباق هذا الاستعمال على القوانين والأنظمة المرعية، وذلك من خلال حسابات مهمة المحتسبين وحساب المهمة العام وقطع حساب الموازنة الذي تعده مديرية المحاسبة العامة في وزارة المالية .
وقد نصت المادة 25 من قانون المحاسبة العمومية على أن يجري التصديق على هذه الحسابات بموجب قانون قطع الحساب الذي يبت نهائياً بالنتيجة التي اقترن بها تنفيذ موازنة الدولة.
أزمة عدم انتظام المالية العامة
اعتباراً من العام 1980، انقطعت أجهزة وزارة المالية عن إعداد حسابات المالية العامة السنوية. واستمرت كذلك حتى العام 1995، حيث صدر أول قانون لقطع حساب الموازنة العامة بعد الأحداث. وقد نص على صرف النظر نهائياً عن إعداد حسابات السنوات 1990 وما قبل. وقد تلاه إعفاء شمل حسابات 1991
و 1992.
وبسبب عدم توفر أرصدة الحسابات المفترض أن تنتهي اليها الحسابات السنوية، لو تم إعدادها تسلسلاً، اعتباراً من 1980وصولاً إلى العام 1992، فقد تعذر إعداد حسابات المالية العامة ونتائجها لفترة طويلة، وتعذرت بالتالي ممارسة ديوان المحاسبة رقابته المؤخرة على هذه الحسابات في مواعيدها وضمن المهل القانونية. وقد أعاق ذلك صدور قوانين الموازنة العامة اعتباراً من العام 2006، وكان أن جرى الإنفاق خلال السنوات التالية بطرق مخالفة للدستور وللقانون، عن طريق تنفيذ "مشاريع الموازنات"، أو "سلف الخزينة".
العودة إلى الانتظام
اعتباراً من 2014، عادت الأمور إلى الانتظام عن طريق فتح اعتمادات إضافية بموجب قوانين، ومن ثم بصدور قانون موازنة للعام 2017 ومن بعده قانون موازنة 2018.
أما وقد دخلت الحكومة السابقة في مرحلة تصريف الأعمال اعتباراً من 22/5/2018، وتأخر تشكيل الحكومة إلى 30/1/2019، بحيث تعذر على وزير المالية إرسال مشروع موازنة العام 2019 إلى مجلس الوزراء قبل أول أيلول 2018، وفقاً لأحكام المادة 17 من قانون المحاسبة العمومية، وتعذر بالتالي إقرار مشروع الموازنة هذا في مجلس الوزراء، في صيغته النهائية، وإيداعه السلطة التشريعية ضمن المهلة المحددة في الدستور، وفقاً لأحكام المادة 18 من قانون المحاسبة العمومية.وبالنتيجة، دخلنا في سنة 2019 المالية دون إقرار موازنتها، وخلال كانون الثاني جرى تطبيق قاعدة الموازنة الاثنتي عشرية المنصوص عليها في المادة 86 من الدستور. وخلال الجلسة التشريعية المنعقدة بين 6 و 7 آذار 2019، أقر مجلس النواب اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى الاجازة للحكومة اعتماد القاعدة الاثني عشرية لغاية 31 ايار، على ان تلتزم الحكومة عند تنفيذ الصرف على اساس القاعدة بتخفيض نسبة 1 بالمئة من العجر بالنسبة للناتج المحلي كما ورد في البيان الوزاري للحكومة؛ إلا أن القانون لم ينشر بعد.
الحاجة إلى تدبير "أفضل الممكن"
بانتظار نشر هذا القانون من قبل الجهة صاحبة الصلاحية، وباعتبار الرواتب والأجور من النفقات الدائمة التي تقضي المصلحة العامة باستمرارها وتجيز المادة 59 من قانون المحاسبة العمومية عقدها، اعتباراً من أول تشرين الأول من كل سنة، على حساب السنة التالية، وذلك ضمن حدود الاعتمادات المرصدة لها في موازنة السنة الجارية، وكذلك تجيز عقد هذه الفئة من النفقات بعد بدء السنة الجديدة وخلال الفترة التي تسبق نشر الموازنة، وذلك ضمن حدود الاعتمادات المرصدة لها في موازنة السنة السابقة.
بعد الإشارة إلى المادة 51 من الدستور التي تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس، ويطلب نشرها، وليس له أن يدخل تعديلا عليها أو أن يعفي أحدا بالتقيد بأحكامها.
وحيث أن نشر القانون المتعلق بالإجازة للحكومة اعتماد القاعدة الاثنتي عشرية، يرتقب أن لا يتجاوز تأخره أياماً معدودة، يمكن تفسير خلفية ومنطلقات التدبير الوارد في كتاب وزير المالية رقم 1331 تاريخ 22/3/2019، الموجه إلى "مديرية الموازنة ومراقبة النفقات" ويقضي بإبلاغ جميع مراقبي عقد النفقات بوقف حجز الاعتمادات كلياً لمختلف أنواع الإنفاق باستثناء الرواتب والأجور وتعويض النقل المؤقت اعتباراً من تاريخه ولحين إبلاغ تعليمات أخرى.
بانتظار نشر قانون إجازة اعتماد القاعدة الاثنتي عشرية، وفي ضوء نتائج الفوضى التي ترتبت عن خروج الإنفاق الحكومي عن الأصول الدستورية والقانونية، وأدت إلى ما أدت إليه من فوضى في غياب قوانين الموازنة العامة وتأخر إعداد حساباتها وتعذر ممارسة الرقابة عليها والبت بها لسنوات،
وفي ظل إلحاح الحاجة لضبط نفقات الدولة وتعقيدات ظروفها، يبدو تدبير وقف حجز الاعتمادات لغير الرواتب والأجور أفضل الممكن، إذ يتقاطع فيه الحرص على المصلحة العامة والحفاظ على انتظام المالية العامة، والدعوة لتجنب تجدد أزمة لم يتأكد الخروج منها بسلام بعد.