كتب د.عماد عكوش-خاص الحوار نيوز
يستمر سعر صرف الدولار بالأرتفاع في السوق الموازي رغم أنه لا يوجد ما يبرر أقتصاديا هذا الحجم من الإرتفاع ، وكلما سمعنا تصريحا من هنا أو بيانا من هناك قفز سعر الصرف وتخطى حدودا جديدة ، فما هي العوامل الحقيقية التي تؤدي ألى أرتفاع سعر صرف الدولار بهذا الشكل ؟
العوامل الأساسية التي يمكن أن تساهم في عدم أستقرار سعر صرف العملة الوطنية هي :
– حجم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية الموجودة في السوق وحركة تطورها
– حجم أحتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى المصرف المركزي وحركة تطورها
– عجز أو فائض موازنة الدولة وميزان المدفوعات
– تدخل المصرف المركزي
– أستقرار النظام السياسي
حجم الكتلة النقدية :
تستمر الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية بالزيادة بالرغم من التضخم الكبير وأنخفاض القدرة الشرائية للمواطن اللبناني والموظفين سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص وبنسبة تجاوزت 90 بالمئة . فلماذا تستمر هذه الكتلة بالزيادة وكيف ترتفع ؟
أرتفعت هذه الكتلة منذ العام 2016 لغاية اليوم على الشكل التالي :
العام مليار ليرة
2016 5284.90
2017 5662.50
2018 5860.80
2019 10563.50
2020 30917.70
أب 2021 40339.60
15 ت أول 2021 42346.41
31ت اول 2021 42520.52
مما تقدم يتبين وبشكل ظاهر أستمرار أرتفاع الكتلة النقدية الموجودة خارج مصرف لبنان ، فما هي الأسباب الأساسية لهذا الأرتفاع في هذه الكتلة ؟
هناك عدة أسباب لهذا الأرتفاع يأتي في مقدمتها :
– سحوبات المودعين وفقا لتعاميم مصرف لبنان ولا سيما التعميم 151 والتعميم 158 والذي يؤدي الى خروج سيولة بقيمة تعادل 800 مليار ليرة تقريبا كل 15 يوما .
– تمويل عجز الموازنة والذي يبلغ حوالي 100 مليار ليرة لبنانية كل 15 يوما لتغطية نفقات الحكومة.
– سحوبات عبر شراء شيكات بالليرة اللبنانية من السوق من قبل كارتلات المحروقات والأدوية والسلغ الغذائية والذين بالمقابل يقومون بشراء الدولار من مصرف لبنان وتبلغ قيمة هذه الشيكات حوالي 1100 مليار ليرة كل 15 يوما .
إن أرتفاع هذه الكتلة في ظل عدم الثقة بالليرة اللبنانية سيؤدي حتما الى زيادة الطلب على الدولار الأميركي نتيجة لهذا الفائض في الكتلة وبشكل دائم .
حجم أحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة :
يستمر أحتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة بالأنخفاض بالرغم من رفع الدعم عن معظم السلع الأساسية . فلماذا يستمر هذا الأحتياطي بالإنخفاض وكيف ينخفض ؟
أنخفض هذ الأحتياطي منذ العام 2016 لغاية اليوم على الشكل التالي :
العام مليار $
2016 34.02
2017 35.80
2018 32.51
2019 29.55
2020 18.60
أب 2021 15.18
15 ت أول 2021 13.74
ت اول 2021 13.64
مما تقدم يتبين وبشكل ظاهر أستمرار أنخفاض أحتياطي العملات الصعبة لدى مصرف لبنان ، فما هي الأسباب الأساسية لهذا الأنخفاض ؟
هناك عدة أسباب لهذا الأنخفاض يأتي في مقدمتها :
– أستمرار سحوبات الودائع بالعملة الأجنبية وفقا” للتعميم 158 مناصفة ما بين مصرف لبنان والمصارف التجارية والقاضي بسحب 400 دولار شهريا للمودع .وقد حرر مصرف لبنان لهذه الغاية 1.2 مليار دولار لمصلحة المصارف بعد تعديل نسبة الأحتياطي الألزامي .
– أستمرار بيع التجار على منصة مصرف لبنان للدولارات بمعدل يومي يبلغ حوالي 5 مليون دولار.
– أستمرار بيع الدولارات وفتح الأعتمادات لكارتيلات المحروقات من قبل مصرف لبنان والذي يبلغ شهريا” حوالي 180 مليون دولار .
إن أستمرار أنخفاض هذا الأحتياطي بطبيعة الحال سيؤدي الى ضعف الثقة بالعملة الوطنية نتيجة لضعف التغطية بالعملات الصعبة .
عجز أو فائض موازنة الدولة :
بلغ عجز الموازنة في نهاية شهر نيسان وفقا” للبيانات الصادرة عن وزارة المالية مبلغ 707.18 مليار ليرة ، هذا العجز يتم تمويله من قبل مصرف لبنان عبر طباعة الليرة وضخها في السوق .
إن أستمرار العجز في الموازنة سينعكس بالتأكيد على حجم الكتلة النقدية الموجودة خارج مصرف لبنان، وبالتالي سينعكس على حجم الطلب على الدولار في السوق .
تدخل المصرف المركزي :
منذ بداية الأزمة في نهاية العام 2019 توقف مصرف لبنان عن التدخل في سوق القطع وترك السوق يتحرك وفقا لقانون العرض والطلب ووفقا لقانون المضاربين الذين يتحكمون بالسوق دون أي ضابط أو سيطرة من قبل مصرف لبنان ، وبالتالي انسحب مصرف لبنان من وظيفته وفقا” لقانون النقد والتسليف ولا سيما المواد 70 و 71 واللتين تؤكدان على ضرورة عمل مصرف لبنان على أستقرار السوق المالي والنقدي .
إن عدم تدخل مصرف لبنان في السوق فتح الباب أمام المضاربين لتحريك السوق صعودا” وهبوطا” دون أي رادع من أي مراقب أو مؤسسة تقع ضمن مهامها هذه المراقبة ، ما جعل أي حدث سياسي أو أقتصادي هو مناسبة للأستفادة منه في عملية المضاربة على العملة الوطنية .
أستقرار النظام السياسي :
يعتمد أستقرار عملة أي دولة في العالم بشكل أساسي على أستقرار النظام السياسي وتداول السلطة بشكل سلس ومستمر دون أية مشاكل أو فراغات في السلطة ، وهذا للأسف ما لم يحصل في لبنان ولا يحصل اليوم ، بل على العكس دائما” هناك مناكفات وأعتكافات من مسؤولين سياسيين لبنانيين سواء في الوزارة أو في الرئاسات ، مما ينعكس على أستقرار البلد وعلى تأخير القرارات المفيدة في الأقتصاد ، ومما يؤخر النمو ويؤخر الأستقرار ولا يؤدي الى تكبير حجم الأقتصاد والذي هو الهدف بالنهاية .
كل هذه العوامل ساعدت على عدم الأستقرار كما ساهمت في أنخفاض قيمة العملة الوطنية لكن يبقى السؤال هل يمكن التخفيف من مفاعيل هذه الأسباب وكيف ؟
معالجة هذه العوامل ممكن ، وهو أمر ليس مستحيلا بدءا بحجم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية الموجودة في السوق وحركة تطورها فيمكن معالجة هذه الكتلة عبر الخطوات التالية:
– اقرار قانون الكابيتال كونترول وأعادة تنظيم القطاع المصرفي وفقا” لقانون عام وليس تعاميم لوقف عملية السحوبات النقدية من المصارف والتخزين في المنازل والخزنات .
– معالجة عجز الموازنة عبر أعداد خطة توازن بين النفقات والواردات ولا سيما موضوع الحد الأدنى للأجور والدولار الجمركي .
– وقف عملية المتاجرة بالشيكات عبر وقف بيع الدولار من قبل مصرف لبنان للتجار والمستوردين مقابل شيكات مشتراة موضوعة بالحساب أو عبر التسديد من حسابات مصرفية قديمة ممولة بواسطة الشيكات المشتراة .
معالجة حجم أحتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى المصرف المركزي وحركة تطورها وذلك من خلال العمل على :
– أعادة تفعيل القطاع المصرفي لوقف التخزين في المنازل والمؤسسات أو حتى التهريب للخارج وأول خطوة في أعادة التفعيل أقرار قانون الكابيتال كونترول .
– العمل على تلزيم أعادة بناء البنية التحتية بطريقة BOT للحفاظ على مخزون مصرف لبنان من العملات الصعبة .
– أقرار خطة أقتصادية تسعى الى خفض العجز في الميزان التجاري وبالتالي العجز في ميزان المدفوعات ، وأعطاء حوافز للصناعيين لتشجيعهم على الأنتاج والتصدير .
معالجة عجز أو فائض موازنة الدولة :
إن عجز الموازنة يتم تمويله من قبل مصرف لبنان عبر طباعة الليرة وضخها في السوق ، هذا التمويل يزيد من حجم الكتلة النقدية في السوق ، لذلك لا بد من وقف هذا العجز عبر أيجاد توازن حقيقي بين نفقات الدولة ووارداتها ، والحل الوحيد هو عبر زيادة الواردات عن طريق رفع سعر الدولار الجمركي مع تصحيح الحد الأدنى للأجور وبشكل تدريجي دون التأثير على عجز الموازنة .
هذا الأمر يجب العمل عليه بشكل متوازن فلا يصح رفع الرواتب دون تأمين الموارد ، كما أنه لا يصح زيادة الرسوم والضرائب دون التعويض على الموظفين نتيجة لتضخم الأسعار .
تدخل المصرف المركزي :
انسحب مصرف لبنان منذ بداية الأزمة في نهاية العام 2019 من وظيفته وفقا” لقانون النقد والتسليف ولا سيما المواد 70 و 71 واللتان تؤكدان على ضرورة عمل مصرف لبنان على أستقرار السوق المالي والنقدي ، وهذا الأمر فتح الباب أمام المضاربين لتحريك السوق صعودا” وهبوطا” دو أي رادع من أي مراقب أو مؤسسة تقع ضمن مهامها هذه المراقبة ، لذلك لا بد لمصرف لبنان من العودة لممارسة هذا الدور ولو بشكل بسيط لمنع التحركات الكبيرة لسعر الصرف وللحفاظ على الحد الأدنى من الأستقرار النقدي .
أستقرار النظام السياسي :
لا بد من أجراء أصلاحات دستورية أساسية للحفاظ على أستقرار النظام السياسي وتداول السلطة بشكل سلس ومستمر دون أية مشاكل أو فراغات في السلطة ، هذه الأصلاحات يجب أن تطال عملية تداول السلطة وأحترام الأستحقاقات الدستورية مع وضع مهل قانونية لا يجب تجاوزها سواء لناحية تشكيل السلطات أو التوقيع على القوانين وأصدارها ، مما سينعكس حتما” على أستقرار البلد .
أذا” بدون معالجة هذه العوامل فلا تتأملوا خيرا” في معالجة المشاكل الحالية ولا سيما الوضع النقدي وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية . نعم من الممكن أن ندخل في تسويات مرحلية كالعادة دون معالجة هذه العوامل لكن بالتأكيد لن تكون جذرية ونهائية .