الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا اعنوان كتب علي حيدر في صحيفة الأخبار يقول:
لم تنتظر تل أبيب انتهاء الحرب على غزة للبدء في محاولة توظيف المتغيّرات التي تشهدها الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية باتجاه لبنان، فبدأت مساراً ديبلوماسياً، موازياً للاعتداءات العسكرية، يهدف الى تحييد جبهة لبنان التي تضغط على الواقع الإسرائيلي، ولفرض وقائع في المنطقة الحدودية تهدف الى تقليص فعالية قدرات المقاومة الدفاعية والردعية. ضمن هذا الإطار، يأتي ما كشفته صحيفة «إسرائيل اليوم» عن تشكيل طاقم سياسي أمني، اسرائيلي – فرنسي، يهدف الى إبعاد حزب الله عن الحدود الى ما وراء نهر الليطاني! يشكل هذا التطور ترجمة لحقيقة تعكس مدى تأثر لبنان بالمتغيرات الإقليمية وما تحمله من مخاطر على أمنه ووجوده. إلا أن الصيغ التي تتقمّصها هذه المخاطر لا تقتصر فقط على البعد العسكري، بل قد تأخذ أيضاً طابعاً سياسياً. تبلور هذا المسار في أعقاب حملة ديبلوماسية بدأها وزير خارجية العدو إيلي كوهين، شملت باريس ومبعوث الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين وأعضاء مجلس الأمن، للضغط على لبنان تحت شعار تطبيق القرار 1701. إلا أن جوهرها يتكامل مع التطورات العسكرية، لتحقيق أهداف العدو في الساحة اللبنانية، وتحديداً في هذا التوقيت.
يرتكز هذا النشاط الإسرائيلي – الفرنسي الذي يتزامن مع المواجهة العسكرية على حدود لبنان الى رهان بأن ما تشهده الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتحوّلات التي أحدثها «طوفان الأقصى» في المفهوم الاستراتيجي الإسرائيلي، ستساهم في الدفع نحو فرض وقائع تمسّ بسيادة لبنان وتقويض قدرة المقاومة في الدفاع عن أمنه. وكجزء من محاولة الضغط، يحاول العدو الربط بين هذا المسار وبين كونه يُمهِّد لتطوّر عسكري عدواني على لبنان.
في المقابل، ترى فيه واشنطن بديلاً من خيارات عسكرية أكثر دراماتيكية، كما لمّحت الى ذلك «إسرائيل اليوم»، كونها قد تؤدي الى حرب إقليمية تحرص على تجنّبها حتى الآن. ومهما كان الخطاب التهويلي الإسرائيلي، فإن تزامن الجهود الفرنسية، بدعم أميركي، مع الجولة الثانية في الحرب على غزة، يؤشر الى تفاقم القيود الميدانية والسياسية على مؤسسة القرار الإسرائيلي، والتي تحول حتى الآن دون التهوّر في قراراتها، فضلاً عن كونه يُعزِّز دوافع واشنطن أيضاً لمنع هذا التدحرج. ومن الواضح أن تعدّد خلفيات الأطراف في هذا المسار ينطلق من حقيقة أنهم جميعاً يعلمون بأنّ أيّ تجاوز للسقوف والقواعد التي فرضتها المقاومة سيواجه بردّ تناسبي…
في كل الأحوال، تعزَّزت حاجة العدو الى هذا النشاط السياسي الديبلوماسي المتناغم مع تطورات الحرب، في أعقاب نجاح المقاومة في لبنان في بلورة واقع ضاغط في شمال فلسطين على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يحضر بقوة على طاولة القرار السياسي والأمني في تل أبيب.
لجوء العدو الى الضغط الدبلوماسي مؤشر إلى نجاح ضغط المقاومة
إلا أن الأهم أن هذا المسار، بخلفياته وأهدافه الإسرائيلية، يكشف في جانب منه عن المشروعية اللبنانية النابعة من المصالح الاستراتيجية والوطنية الكامنة في استئناف حزب الله عملياته بعد بدء الجولة الثانية من الحرب على غزة. مبادرة حزب الله ابتداءً ضد مواقع جيش العدو، على خلاف الجولة الأولى التي اختار فيها أن تكون ضربته الأولى نصرةً لغزة رداً على استهداف جيش العدو لنقاط له، تنطوي على رسالة مهمة مفادها أن الحزب أرسى المشروعية الوطنية لهذا الخيار وهو أمر برز في خطابه السياسي الذي تمحور حول تسليط الضوء على المخاطر المحدقة بلبنان والمنطقة في حال تحقيق العدو أهدافه في الحرب على غزة. ويعني ذلك أيضاً أن المصلحة الوطنية العليا تكمن في دفع هذه المخاطر الكبرى عبر استنفاد كل السبل لمنع العدو من تحقيق أهدافه.
تنطلق هذه الرؤية من حقيقة أن حجم المتغيرات التي تشهدها فلسطين، بعد تداعيات طوفان الأقصى على المفهوم الاستراتيجي الإسرائيلي، يؤكد أن نتائج تحقيق أهداف العدو في مواجهة المقاومة في غزة لن تبقى محصورة في نطاق فلسطين، بل ستتمدّد تداعياتها الى بيئتها الإقليمية. ولبنان هو الدولة الأولى المرشحة لأن تكون ساحة لها.
الحقيقة الأكثر أهمية ودقة في هذه التطورات هي عمق التماهي بين مستقبل المقاومة في فلسطين والوضع في المنطقة. ونتيجة خصوصية لبنان في أكثر من عنوان، تحوّلت الدعوة في كيان العدو الى العمل على توظيف تطورات الحرب على غزة، الى لازمة أساسية في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي.
نتيجة ذلك، حرص حزب الله على عدم السماح بتغييب عمق الارتباط بين مستقبل المقاومة في فلسطين – غزة، والوضع في لبنان، وهو أمر أكثر من ضروري لمنع طمس الحقائق وقلبها ومحاولة التسلل الى وعي الرأي العام اللبناني تحت عنوان الاستقرار الأمني الذي سيكون عابراً قياساً الى ما ينتظر لبنان من تطورات، إن تحقق السيناريو الأخطر في فلسطين. وانطلاقاً من هذه الرؤية، الى جانب واجب نصرة مقاومة غزة وأهلها، ترى المقاومة في لبنان أن مسؤوليتها تفرض عليها المشاركة بشكل جدي في منع العدو من تحقيق أهدافه.