لمّا قال القضاة المستقلون الاحرار كلمتهم
لن نُخفِيَ عليكم إننا وموكلينا متذمرون وممتعضون من إعتكافٍ طال أمده. فراغٌ أصبحت فيه العدالة معلّقة، والحقوق مجمّدة، والحرية مكبّلة، والأضرار إلى تفاقمٍ،
ولن نُخفِيَ عليكم وأنتم سادة العالمين، بأنّ خيبتنا من مدى تفشي الفساد والمحسوبيات في قصورٍ قد نُسب إليها صفة العدل، كانت قد سبقت بكثير قراركم الأخير بالإعتكاف المستمرّ،
ولن نُخفِيَ عليكم شعورنا ببصيص أملٍ حين، ظهرت بوادرٌ واعدةٌ بإصلاحاتٍ أمست ضروريةً للجسمٍ القضائيٍ لم ولا نكنّ له إلا كلّ الإحترام والتقدير كسلطةٍ حرّةٍ، سيدةٍ ومستقلّة،
ولن نُخفِيَ عليكم خيبتَنا متى إكتشفنا اثار هذه البوادر الإصلاحية التي لم تتعدَّ إطارها الشكليّ، فأتت تُوهِم من إشترط إلغاء الفساد لتمويل البلاد بأنّ هذه الأخيرة بدأت تسري بخطىً ثابتة في رحلة الألف ميل، مجسدين مقولة أبو العلاء المعرّي «مشيناها خطىً كُتِبَت علينا… ومن كُتِبَت عليه خطىً مشاها»،
ولن نُخفِيَ عليكم خيبتَنا من غياب التنقية الذاتية التي أودت إلى مسلسلٍ دراماتيكيٍ مضحكٍ مبكي، محوره إدعاءاتٍ وإدعاءاتٍ مقابلة وتجاذب قوى بين «ٍسلطةٍ قضائية» من جهة وضابطةٍ عدلية من المفروض قانوناً انّ تأتمر من الأولى من جهةٍ أخرى. وكلّ ذلك يأتي في سياق مساعٍ تهدف إلى تقليص مقام هذه السلطة الحاكمة باسم الشعب اللبناني وقوّتها وقدرتها ،
ولن نُخفِيَ عليكم تساؤلنا عن مدى ثقتنا بسلطةٍ قضائية تفقد يوماً بعد يوم سلطتها. سلطةٌ دونها لا تبنى أوطان، ودونها يظلّ الحاكم الباطش مسيطراً، والغنيّ المستبدّ مستفيداً، والفقير المسكين مظلوماً،
كيف لا، وقرار هذه السلطة مسيّرٌ؟
كيف لا، وقرار هذه السلطة مسيّسٌ؟
كيف لا، وقرار هذه السلطة معلّبٌ؟
واننا على الرغم من هذا الإستياء،
لن نُخفِيَ عليكم انّه بفضل خيرةٍ من القضاة الأحرار، المستقلّين، الأوفياء لعدالةٍ يسعون جاهدين لتحقيقها، والمتعالين عن أية مصالح مادية وسياسية ومنصبية، إستيقظ القضاء من غيبوبةٍ كان ما زال يمرّ بها منذ زمنٍ، ليستدرك انّ لا من سلطةٍ أخرى أو غير سلطة لها الحق ان تحكم بأمره، وان تقرر مساره ومصيره، وخصوصاً انّ السلطة القضائية بحدّ ذاتها تجسّد أقنوماً من الأقانيم الثلاثة التي تمثّل ركيزة الدولة الديموقراطية، قدسيتها من قدسية الدستور، وهي المؤتمنة على حمايته،
ولن نُخفِيَ عليكم بأننا نحن، من نقف أمام قوس محكمتكم، يميناً ويساراً، حيث نقرأ ونتذكّر بأنّ «العدل أساس الملك»، ممثلين الجناح الثاني للعدالة، لا يمكننا إلا أنّ نحيي هذه المبادرة النابعة عن قضاةٍ مستقلّين أحرارَ قالوا كلمتهم بكلّ جرأةٍ، هادفين إلى إستعادة «ملكية» سلطة كانت بدأت تتكسّر بجناحيها، محاولين إعادة مضامين السلطة التي يمثلون أينما وضعها الدستور، حافرين صخر التسلّط والفساد الذي تكوّن مع السنين، متسلّحين بقناعتهم الراسخة بأنّه من غير الممكن أن تبنى أوطانٌ تغيّب عنها قضاةٌ أحرارٌ يفتخر بهم شعبٌ يحكمون بإسمه!