لمن تكتب ؟ ولماذا؟
لمن تكتب ولماذا ؟
سؤال مطروح دائماً على الكتّاب والأدباء والمفكرين والعلماء والمثقفين الثوريين والشعراء والموسيقيين بمختلف اجناسهم وألوانهم وإنتماءاتهم ، وقد كانت الصديقه ميمي ميلكونيان الفنانه والموسيقيه والكاتبه الأرمنية اللبنانيه الاميركيه التي تعمل في مجلة "نيويورك كونسرت ريفيو " المتخصصه في النقد الموسيقي الجاد والصادره في نيويورك "قد لفتت نظري منذ حوالي سنتين على ما اعتقد الى هذا الهشتاغ الذي كان يتم تداوله كثيراً بين أولئك المفكرين والكتاب والفنانين في أميركا ، واقترحت عليّ السيده ميلكونيان يومها ان ارسل لها مساهمتي الخاصه كجواب على سؤال هذا الهشتاغ ربما لتنشره وقتها في المجله .. وفعلت يومها . واليوم ذكرني الفايسبوك بتلك المقاله فارتأيت اليوم تكثيفها وإعادة صياغة مختصره بالشكل النهائي أدناه عساها تكون مفيده وباعثه على التفكّر !
حسناً إذن .. لمن؟
أكتب لنفسي أولاً وأخيراً .. ولا يهمني إن فهمني ، أو لم يفهمي أحد ! .
أكتب لنفسي الوحيده ، لأفهمها أحياناً ولتفهمني أحياناً أُخَرْ ! .
أكتب لغايتين وجِهتين مختلفتين جداً ، لأُناس حمقى أولاً ، ولاصحاب الذكاء الشديد ثانياً! أكتب للحمقى لانهم يثيرون شفقتي، وللاذكياء لانهم محبطون جداً و لم يعودوا أبداً يثيرون حسدي بذكائهم كما كان الحال في السابق ومنذ زمنٍ بعيد جداً ، بل إنّي غدوت الان أرثي لحالتهم البائسه هذه!
اكتب أحياناً لاني اصبحت اشعر بأنني وحيد مثل روبنسون كروزو الذي عاش وحده في جزيره منسية وغير معروفة إلا في إحدى روايات أدب الفتيان.
اكتب أحياناً لأقول لنساء كثيرات بأني احبهنّ! ولأُؤكد لهنّ بالصوت الملآن انه ليس عيباً ان يحب الرجل الصادق مثلي اكثر من امرأه واحده كما تعتقد كل النساء!
أكتب أيضاً لقلة من النساء اللواتي أصبحن كأكثر الرجال يثرن نفوري لتشابههن الخارجي بعمليات التجميل التي تكاد تمحي الفوارق والخصوصيه في سر الله ،وهو يتعمد به خصوصية الاختلاف في خلقهم به كنساء مميزات لا تشبه الواحده الاخرى في شيء.
اكتب احياناً لأُحارب خوفي، خوفي الذي لا مبرر له الا حباً بترف السلامه المصطنعة كما يفهمها خطأ معظمنا، ونحن نبالغ في دفع اقساط شركات التأمين على الصحه والحياة والحريق! اكتب ايضاً لاني اعتقد جازماً وبحزم ان الله صديقي الشخصي، ومن واجبي ان أحميه من سوء فهم هندسناه له نحن البشر بغبائنا وأنانيتنا ،وعلى رأسنا كان دائماً وسيبقى رجال الدين تجار الطوائف والمذاهب والدم، وخبراء التربيه ومديرو المدارس وأساتذتها والفنانون والصحافيون والحقوقيون والمحامون والأطباء!
-"هل خلقنا الله حقاً على مثاله كما إدّعت الكتب"؟
جواب هذا السر أخذ مني وقتاً طويلا لأفهمه، ولكني حتماً لن ابوح به لأحد، واعتقد انني غالباً ما اكتب لأُشيح بالأنظار عن هذا، حل سر هذا اللغز العميق .. بل وأعمل بمكر على تمويهه جيداً ليبقى سليماً ومُمَوّهاً عن أنظاركم .. لعلمي ان أكثركم لا يستحق ترف وشرف الحصول على هذه المعرفه، ولذلك سأسعى دائماً لأُصحح ما علمنا إياه اهلنا وأساتذتنا وزعماؤنا وحكوماتنا في المدارس والجوامع والكنائس والجامعات والكتب .
أكتب غالباً لأقول ان المدارس غدت مثلها مثل السجون ، والعار يمشي بيننا فيها بألف شكل ولون وظاهرة . واكتب ايضاً لاني اشعر احياناً ( ولا ادري لماذا ) بأنني مسؤول عن العِباد بكل اطيافهم وأجناسهم وطبقاتهم ، واكتب أيضاً لألف سبب وسبب .. منها ما لا اريد كشفه لكم الان ، وهنا تحديداً أُفَضِّل الصمت عملاً بنصيحه صديقي الله جلّ وتعالى عن صداقة أحد، وهو القدير البارئ الكامل ( والذي لا يَعلو عليه شيء أو فكر أو أحد ) إذ على ما أزال اذكر انه في اللحظة التي خلقني ليستودعني فيها سرا من أسراره اللامتناهية وهو يُؤيدني عبرها بروح منه ، ذكر لي وقتها الكثير من الاسرار التي لم يبح بها لكم انتم ايها البشر، وقال لي مشدِداً انها لي وحدي أنا لا غير ، ولا يحق لي أبداً كشفها لبقية البشر كائناً من كان حتى اشعارٍ آخر . أما آخر ما اذكره قبل ان يودعني الى رحلتي انه علمني حب التفكر والصمت والإنصات والوحدة ودربني عليها جميعها بالصمت حيناً ، وبكثرة الكلام وحب الادب والشعر والموسيقى احياناً أُخَرْ ، وتحديداً قبل وداعنا بقليل أودعني أهم تلك الاسرار وأخطرها، وبلهفة الهية لا أنساها ابداً ودّعني كما تودع الام ابنها الوحيد الذاهب الى الحرب، ربّت على كتفي وهو يضع سبابة إحدى أياديه الابويه الكثيره جداً والممتلئه بأُمومه خارقه لا يمكن وصفها بأي لغه، وضع سبابة تلك اليد الخارقه على وسط شفتي العليا حيث أَحدَثَ فيها عمداً تلك الكوه الصغيره المكوره تحت انفي مباشرةً لتذكِّرني دائماً عندما انظر الى وجهي في المرآة بسر الاسرار الذي وضعه الله عمداً في صمتي وفي ثرثراتي، كما وضعه في بشر قلائل لرفاق لي اخرين لا اعرفهم، خصوصاً اضعفهم وابسطهم خلقاً واكثرهم صمتاً أو جلبه وضوضاء ، تردداً ومعاناة ..اي بالضبط مثلي انا الممتلئ بكثير وكثير وكثير من الاشياء والأسرار التي لا اريد أن أقولها لكم الان ، بل وأتعمّد تناسيها وعدم تذكرها ابداً لتمر بينكم بسلام وصمت وهي تتفقد فيكم ما لن تدركونه بعد ، ليس لاني لا اريد كشفها .. بل ببساطه لأن آوانها لن يأتي قريباً على ما يبدو ، فأنتم وللأسف ما زلتم ثابتين في سيركم كالقطعان خلف جهلكم واهلكم ورعيانكم الطائفيين من زعماء ومشايخ ومطارنة ومفتين وأديان رغم علمكم بأن الله واحد، فتُثبِتون بذلك انكم قاصرون وفاقدو القدره على الخيار الحر كما على الخلق والابتكار .. ولكن ، ربما سيأتي يوم واكشف بعض هذه الاسرار لابنتي وزهرتي الصغيرة إيزابيل لو بَقَيْت اشعر كما دائماً بأنها ستكون مؤهله لتحمل سرّ الخالق الضائع في وجداني لأجلٍ مسمّى .. لعله الشغف ينتقل اليها من سرّي وروحي الى سرِّها وروحها !