لمقاومة ثقافية..تواجه الإنهزام الثقافي!(نسيب حطيط)
د. نسيب حطيط – الحوارنيوز
عاش العرب فترة طويلة في دائرة الإنهزام الثقافي والنفسي والإنكسار المعنوي أمام العدو الإسرائيلي، وصاروا أسرى الخوف من التفوق العسكري الإسرائيلي وأستسلموا لفكرة “الجيش الذي لا يقهر”، وأنه لا يمكن إستعادة الحقوق والأرض المحتلة ،إلا بالتفاوض مع العدو والتنازل عن جزء منها، وفتحوا بلادهم امام التوغل الإسرائيلي الإقتصادي والأمني والثقافي، واستطاع العدو زرع مفاهيمه في الثقافة العامة للجمهور العربي والإسلامي، بأن التحالف معه والتسليم بوجوده يؤمّن الرضا الأميركي ويسمح ببقاء الملوك والأمراء والرؤساء بالحكم، ويؤمّن للشعوب المساعدات الغذائية التي لو عملت هذه الشعوب وحكوماتها لإستغلال مواردها، لكانت حصدت اضعاف تلك المساعدات الهزيلة والتي يتم دفع ثمنها سياسياً وثقافياً!
إنهزمت الأمة ثقافياً وعقائدياً وسلوكياً أمام الثقافة الغربية السلبية والسيئة، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، حتى صار كل شيء غربي من أزياء ولباس او أفكار، مرجعية فكرية لا يمكن النقاش فيها وانها تتقدم على الأفكار والعقائد في منطقتنا، سواء على المستوى الاسلامي المسيحي او الثقافي العام في الأدب والشعر والفلسفة والعلوم، وتحوّلنا الى مستهلكين على المستوى الثقافي والسلوكي في تبعية عمياء حتى صارت أزياء “الألبسة الممزّقة” ومعايير الجمال الحديثة للنساء وفق النمط الغربي ، مهما كانت مبتذلة وغير مألوفة، هي المعيار الذي يجب ان تتّبعه النساء، سواء كنّ ملتزمات ويلبسن” الحجاب” او ملتزمات بدون حجاب، ولحق بهم الرجال ايضاً واستوردت مجتمعاتنا الثقافة ،ذات النوعية السيئة دون التفتيش عن الثقافة ذات الجودة العالية.
لقد تم إعدام الثقافة في مجتمعاتنا وحاولت الأنظمة والأحزاب وبعض والمؤسسات الدينية ،تحويل الأتباع والمواطنين الى “روبوتات بشرية” أوهمتها وفرضت عليها وجوب عدم التفكير، لأن الحكومة تفكّر والقائد والزعيم هو الذي يفكر والمرجع الديني يفكّر وقيادة التنظيم الحزبي تفكّر،وتحوّل المثقفون والناس الى عبيد للحكومات والأحزاب والزعامات ،إكراها او طوعاً ،وانتشرت ظاهرة تأجير العقول او إقفالها او تلقيحها، وتم حصار او تكفير وتخوين من بقي حرّاً خارج السجن الكبير.
تعاني الأمّة من فراغ وتصحّر ثقافي ولا يمكن مواجهة الغزاة والمحتلين بالرصاص فقط ،فالرصاص يمكن ان يحمي الكلمة والفكر والعقيدة، لكنه لا يمكن ان يكون مستداماً ويمكن للمحتل ان يبقى في أرضك او يسجنك، لكنه الى زوال، مهما طالت مدة إحتلاله التي تحددّها ثقافتك ، فإذا كانت ثقافة الناس ترتبط بالكرامة والعزة والحرية، فإنها ستنتج مقاومين يواجهون في الميدان ويقصّرون عمر المحتل ويحرّرون أرضهم، أما اذا كانت ثقافة الهزيمة والإستسلام والعيش كيفما كان ،بالذل والإستعباد ،سيبقى الإحتلال فترة أطول وربما يغيّر ثقافتك، لتصبح مُستجدياً لبقائه، بدل ان تكون مقاوماً لإحتلاله!
لقد قام المقاومون وما زالوا بواجبهم في الميدان واستشهد بعضهم وسجّلوا أساطير في المقاومة والصمود وأنهكوا المحتل، لكن هناك قصور وتقصير على جبهة المقاومة الثقافية ،حيث يصمت المثقفون طوعاً او اكراهاً و خوفاً ويغيبون عن مقاومة المشروع الثقافي الصهيوني والأمريكي والغربي والتكفيري ،ما يجعل المقاومين الميدانيين مكشوفي الظهر وينقصهم تبرير مقاومتهم وأسبابها وموجباتها او تأريخها وتتعرّض للتزوير وتسخيف الإنتصارات والتضحيات، وحتى لا يتحوّل المقاوم إرهابياً في الاعلام والرواية وحكايات الناس.
إننا ندعو” لقيام “جبهة مقاومة ثقافية” لا تنحصر بطائفة او حزب او بلد ،بل الى جبهة مقاومة ثقافية شاملة على مستوى الأمة، لمقاومة الثقافة الإستعمارية ،وتعميم ثقافة المقاومة وعدم الإنهزام، فربما نخسر معركة في الميدان، لكن علينا ألا نخسر معركة الثقافة والحضارة التي تُبقي شعلة المقاومة وعدم الإستسلام قائمة حتى يأتي الجيل الذي يستطيع الإنتصار، والأهم ان نجدّد عدم قبولنا،بالإحتلال الاسرائيلي ورفض الإعتراف بدولة “إسرائيل” كأمر واقع او بسبب الهزيمة والضعف ،لا نعترف بها حتى يأتي الجيل الذي يحقق العدالة وتحرير الأرض، وعلينا ان لا نوقع صكوك التنازل والإستسلام..
.كن مقاوماً ثقافياً..وهذا اضعف الإيمان !