حيدر شومان – خاص الحوار نيوز
لا يحتاج أي مراقب إلى عظيم ملاحظة ليتبين حساسية الأوضاع الخاصة والمختلفة التي يعيشها لبنان في الأسابيع القليلة الماضية. فالاهتمام الدولي، والعربي عرضاً، تجلى بقوة بعدما تُرك لبنان وحده طيلة فترة المعاناة الاقتصادية. وهو إهمال لم يعشه “سويسرا الشرق” المدلل منذ عقود طويلة. والمراقب ينظر إلى هذا الإهمال بنفس عين الريبة التي ينظر فيها إلى هذا الاهتمام المفاجئ، والذي كان أكبر تجلياته في الاجتماعات المتتالية لممثلي الدول الأميركية والفرنسية والسعودية بغض النظر عن درجة هذا التمثيل، بالإضافة إلى الوفود الفرنسية وغيرها التي تحمل في جعباتها الكثير من الأمور التي لا بد وأنها تحمل أشياء في السياسة جديدة. ولقد جرى الحديث بطرق صريحة واضحة حيناً، ومضمرة غامضة حيناً آخر، عند التطرق لتدويل الوضع اللبناني السياسي وأزماته الاقتصادية الخانقة.
وحيث أن لبنان الذي يجاور -قسراً- الكيان الصهيوني، وتعيش في بوتقته مقاومة هزمت هذا الكيان في أكثر من مناسبة، كما أن لبنان يتمتع بثروة نفط وغاز كفيلة في ما لو استطاع استثمارها أن يعيش استقلالاً في القرار وعدم التبعية التي اعتادها منذ تأسيسه، فإن الأمر يتطلب على الأقل حذراً في تلقي هذه التطورات الأخيرة ودراسة كل المقترحات (الملزمة) التي تصله تباعاً. وليس صدفة أن ترتفع في الآونة الأخيرة أصوات في الكيان تتناول الحرب القادمة مع لبنان وحتمية هذه المواجهة.
وللأسف، فإن اللبنانيين كعادتهم، لا يتفقون على أمر داخلي أو خارجي، فكما اختلفوا على قضية حياد لبنان التي دعا إليها البطريرك الماروني بشارة الراعي، نجدهم يختلفون على قضية تدويل لبنان بحجة تعذر الحل من أزماته الاستثنائية إلا من خلالها. ومؤيدو التدويل هم أنفسهم (أو كثير منهم) دعوا لإطالة الحرب سنة 2006 للقضاء على المقاومة مهما بلغت الخسائر في الأرواح والممتلكات. ولا غرابة في ذلك، فمفهوم العلاقة مع إسرائيل ليس واحداً في لبنان، وقضية السيادة والاستقلال ليست واحدة، والنظر إلى التدخل الغربي الوقح والإملاءات المباشرة وتنفيذها بلا تدبر حر، كل ذلك ليس واحداً.
وحيث إن الهم اللبناني اليومي بات يتوجه نحو تفاصيل الحياة اليومية من غذاء ودواء واستشفاء ومحروقات، بعيداً عن السياسة والسياسيين، وتوجه الحريري نحو الاعتذار، ومصلحة العهد والصهر، فإنه يجري التلاعب بهذا الهم للسيطرة على القرار السياسي المعارض، ولإزالة الخطوط الحمر التي تصب في غالبيتها في مصلحة إسرائيل، وتضعّف المقاومة وصمودها، خصوصاً عندما تهتزّ بيئتها الحاضنة التي لا تختلف في معاناتها عن بقية المجتمعات اللبنانية.
ما يحدث في لبنان أمر يتصل بالمحيط من حوله، ولا نصدق أن الحلول داخلية ولو أننا نعلم أن لزعاماته يداً طولى في هذا الانهيار، إلا أن لهذه الزعامات علاقات وطيدة مع بعض الدول العربية والغربية التي ساعدت على إنتاجها وتقويتها وتغذيتها في الحرب وما بعد الحرب، وقرارها اليوم في تنفيذ الأجندة المُعَدّة، وتحركات مجمل الأحزاب اللبنانية المريبة تشي بتنفيذها الواضح والأعمى لهذه الأجندة، وأوضح مصاديقها العمل على إذلال الشعب اللبناني وتركيعه من خلال العبث بخبزه ودوائه وكرامته، ليقبل أموراً كان يرفضها وينفذها طلباً للخلاص. ولن يستكين هؤلاء حتى ولو كان القرار في حرب أهلية جديدة، ويبدو أن هناك في الداخل من يسعى لها.
زر الذهاب إلى الأعلى