لماذا لا يحدث التغيير في لبنان؟(حيدر شومان)
بقلم حيدر شومان – الحوار نيوز
ليس غريباً ألا ينتخب المجلس النيابي اللبناني رئيساً للجمهورية، وهذا بات كالعرف في منطقنا السياسي. وليس غريباً أيضاً ألا يكون للبنانيين حكومة، وهذا أيضاً بات كالعرف ، لكن الغريب فعلاً هو سيرورة هذا العرف واقعاً لا يثير وطنية أحد ويتحرك اللبنانيون في يومياتهم المملة دون أي اعتراض أو تأفف أو تذمر.
والغريب أيضاً أن تنهار الليرة اللبنانية بمعدل سبعين مرة، ويبحث اللبناني بشكل أوتوماتيكي عن بدائل لتفاصيل معيشته من دون أن يتحرك الناس، رسميين وغير رسميين، ضد هذا الإجراء الذي يضع أكثرهم تحت خط الفقر، بل الفقر المدقع.
هذا اللبناني العبقري في المنفى، نجده في الداخل اللبناني حائراً خائراً سامداً لا حول له ولا قوة، وكأن هناك تنويماً يسيطر على شخصيته وتفكيره ومعيشته.
لقد ثار اللبنانيون في تشرين 2019، وكانت ثورتهم شاملة لكل فئات الناس وطبقاتهم ومناطقهم، وكانت صادقة هادفة تلعن الواقع الأليم وتنادي بالتغيير الحاسم لأن الوضع لم يعد مقبولاً، وهذا الاستغلال يجب أن يتوقف ويُحاكم المسؤولون، وساد التفاؤل الأجواء، لأن اللبنانيين لم يعتدوا وحدة الموقف والرأي والاتجاه… ثم بدأ الأمر مع الوقت يلعن هذا التفاؤل، وبدأ كل من أفراد الشعب يتجه نحو مصلحة طائفته وزعيمه ضد الطائفة الأخرى والزعيم الآخر. ولن تنجح ثورة يترأسها عدة زعماء وكل منهم يحمل توجها طائفياً ومذهبياً وقبلياً وماشابه، ويبقى الوطن الشعار الأخير في الأجندات المختلفة إن بقي.
لا يمكن للتغيير أن يحدث وكل تكتل طائفي يعتبر بقعته الجغرافية هي الوطن وباقي البقاع لا تقع ضمن اهتماماته. إن هذا واقع لبناني يجب ألا نتعامى عنه ونغرق في تصريحات المسؤولين المعسولة الكاذبة التي ترفع صوتها من أجل الوطن ووحدته وتساوي المواطنين في كل مكان. إن معظم الزعماء اللبنانيين سارقون مرتشون عملاء، واللبنانيون عموماً، يعرفون هذه الحقيقة وإن غضوا الطرف عنها نكاية بمؤيدي الزعماء الآخرين، ما يدل على أن العلة الأولى تكمن في المواطن قبل الزعيم، فهو الذي ينتخبه ويهتف له ويقاتل الآخر الفقير من أجله، بكل قوة واستبسال وعمى، ولن يجني من ذلك كله سوى ملايين جديدة من الدولارات في حسابات الزعيم وأملاك ومؤيدين جدد…
الإشكالية لا تكمن في الدين الذي يدعو إلى المحبة والعدل والتسامح، ونحن اللبنانيين، أبعد ما نكون عن ذلك، وممارساتنا في القضايا الخاصة والعامة تناقض وصايا الدين وأوامره ونواهيه. والإشكالية أيضاً لا تكمن في انتخاب رئيس وتشكيل حكومة طالما أن شيئاً لن يتغير عند الانتخاب والتشكيل. والإشكالية ليست في الدستور واتفاقية الطائف، حيث أن النفوس تسيّر النصوص وتكيّفها كما تشاء. الإشكالية هي في التعلق بالوطن واتخاذه أولوية عند كل تفصيل في معايشنا، وعند كل ظروف الأفراح والأتراح، ليكون الدرب الوطني هو الطريق الأوحد ليعبر من خلاله المواطن دون الدروب الأخرى التي تبعّد ولا تقرّب، وتفرّق ولا تجمع. والالتزام الديني لن يكون نقيضاً في هذا المقام، بل إنه يدعو إلى الوحدة بين المواطنين وبذل المهج في سبيله، ومحبة الجار والقريب والبعيد وكل الناس في الوطن المشترك.
نحن نعلم أن خطاباً مثل هذا ليس له وزن في الهم اللبناني، ولا طريق يسير على جنباته المواطنون، فاللبناني العابث بكل تفاصيل حياته، الساخر من كل ما يعتبره مثاليات، الرافض لكل النصح من الداخل أو الخارج، لن يثيره مثل هذه الخطابات وسيبقى دوماً يهاجم الأوضاع الصعبة التي تتجدد واقعاً معاشاً في كل يوم، وسيضع اللوم على الزعماء ويشتمهم دون أن يتحرك قيد أنملة، وسيبقى يتعايش مع الأزمات، ويتكيف مع تفاصيلها دون الخوض في أسباب نشوئها والسعي لحلها، بل أنه سيبقى يلعن لون العتمة دون أن يشعل أي شمعة حب.