د.أحمد عياش
أسوأ ما في المأساة شمولها الجميع، وأخطر ما في المصيبة تقاسم الناس لها بالتساوي ،واجبن الناس من رضي بالذل لأن كل الناس مذلولة مثله.
لتوزيع القهر بعدالة بين الناس ارتدادات خطيرة، لأنها تقنع الجميع ان الهزيمة قدر، والقدر مكتوب، والقدر المكتوب الهي ،وما هو الهي ابتلاء، وما هو ابتلاء اختبار ،وما هو اختبار أمل ،وما الامل الا وهمٌ والناس تعشق الخيال وتمجد الهذيان.
لأن الكارثة تمس الجميع لم ينتفض أحد، فالانسان يقارن وجعه يأوجاع غيره ،وفي اعتقاده طالما المعاناة عامة فالصبر عليها واجب.
هكذا يفكر الانسان المهزوم والمسلوب الارادة والمخصي .
كأن لا خطر عليه طالما يسمع الآهات تعلو من حوله، حتى الموت لا يأبه له طالما الموت يصيب الجميع.
ماذا لو كان الموت يصيب اناسا ولا يصيب آخرين؟
لكان مَن كان نصيبه الموت كافرا بربه ولو رآه بالعين ولمسه باليد.
صغيرا، لا أعرف لماذا كنت اظن ان الموت لا يصيب الا من كان اسمه احمد ومحمد وحسن وعمر وخالد وزينب و وليد وعائشة وعثمان وعلي.
كنت اناقش الرب ليلا واتشاجر معه وانتفض ضده وحتى أتوعده.
وبالصدفة مررت بغابة صغيرة ذات صلبان بين اشجار كثيرة فتسلقت الجدار لأرى وهالني ما رأيت .قفزت بين القبور مندهشاً ،تفاجأت لحقيقة اجهلها ان جورج وانطوني وايزابيل وشربل وجيلبير وجورجينا ومايك وسوبرمان وباطمان وجنكيزخان ويوليوس وريتشارد قلب الاسد وشارلمان، يموتون مثلنا ويدفنون في التراب كالمساكين ففرحت.
فرحت لموت الجميع.
فرحت عندما ايقنت ان الموت لا يصيب عائلتنا وحيّنا وبلدتي حاروف فقط.
وهكذا،
لان اموال كل المودعين نهبت في المصارف، ولأن المصيبة معممة على الجميع، لم نسمع بمجموعة اختطفت صاحب مصرف او مديرا او ناطور مصرف لمجرد تبادل الامانات.!
لأن الاموال العامة عامة ونهبت من الدولة من كل لصوص الرأسمال و الطوائف ،ولأن الضحايا هم كل الناس، ما خرج مئة فارس ملثم وشجاع ليرفعوا مقصلة وليعلقوا مشانق وليهاجموا الحكومة عند اجتماعها في مجلس النواب وبحضور رئيس الجمهورية ليأخذوهم سجناء الى المحاكم لمجرد مبادلتهم الأمانات بكرامات الناس ، كل الناس.
امانة الارواح الفردية اغلى من ارواح كل الناس ،حتى قبور الافراد افخم من المقابر الجماعية.
مجزرة مالية .
احقر ما في الألم والفقر توزعهما بعدالة على الجميع .
لو تألم قسم من الناس ولم يتألم آخرون لوجدت المتألمين يحتلون الساحات والقصور ويقطعون الرؤوس .
لا وعي وطني جماعي للمعاناة ، نجح الراسماليون والانذال بتخصيص الوعي الوطني ليكون فرديا وخاصا بالمواطن نفسه.
لا وعي وطنيا ولا اكتراث بالملكية العامة ، نجح الانذال من الحكام بأقناع الناس ان لا احترام ولا وجود للملكية العامة ،جعل نهبها لا يزعج غير الشرفاء.
ألعن ما في الناس انهم يصبرون ويقبلون الاذية والشرّ طالما الاذية والشرّ ينخران قلوب الجميع…
سألت جاري لماذا بيته متواضع جدا وهو غني جدا جدا، قال ويحك اتريد ان تقف الناس عندي صفوفا صفوفا من اجل تبرعات ومن اجل مساعدات، الافضل ان اشبههم كي لا يحسدوني وينقمون عليّ!؟
المأساة الاقتصادية العامة كجائحة القائد كوفيد التاسع عشر تماما، تعتاد خطرها الناس ولا تكترث لها انما تستسلم ولو ماتت فلا يهم ، المهم ستموت كل الناس.
زر الذهاب إلى الأعلى