دولياتسياسة

لماذا حَلَّ الرئيس الفرنسي الجمعية الوطنية و دعا إلى انتخابات برلمانية ؟(جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز

       لا أحدَ من المطلعين يجهل أن النظام السياسي في فرنسا هو نظام شبّه رئاسي ، او رئاسي ، وفقاً لبعض فقهاء القانون الدستوري الفرنسي . وسبب الخلاف البسيط بين من يصفون النظام السياسي الفرنسي بشبّه رئاسي و مَنْ يصفونه رئاسيا، يكمنُ في أمريّن مُهميّن : الاول هو ان رئيس الحكومة و الوزراء مسؤولون ،في أدائهم ، امام رئيس الجمهورية وليس امام البرلمان ، و الأمر الثاني وهو الاهم ، هو ان المادة 12 من الدستور الفرنسي لعام 1958 ،والمعدل عام 2008 ،اجازت للرئيس حّلْ الجمعية الوطنية ( مجلس النواب ) ،بعد استشارة رئيس الحكومة و رئيسي مجلسي البرلمان ( يعني رئيس الجمعية الوطنية ، ورئيس مجلس الأعيان او الشيوخ ) ، على ان يتم اجراء انتخابات عامة ،خلال مدة لا تقل عن عشرين يوماً و لاتزيد عن أربعين يوماً .

وتجدر الاشارة ( للضرورة التي سأذكرها )، إلى انَّ في النظام السياسي البرلماني ( و النظام السياسي البريطاني كمثال ) ، لرئيس الحكومة حق حّلْ مجلس النواب والدعوة لانتخابات .

 يعني ذلك ، في النظام السياسي الرئاسي و في النظام السياسي البرلماني ، لرئيس السلطة التنفيذية ( رئيس جمهورية او رئيس وزراء ) حق حّلْ مجلس النواب . و سبب تضمين  هذا الحق في الدستور او في ” العرف ” مثلما في بريطانيا ،  هو الحفاظ على التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، و الحيلولة دون تسّلط هذه على تلك .

اما الضرورة ،التي دعتني لذكر ما تقدّم ، مغتنماً مناسبة قرار الرئيس الفرنسي بحل الجمعية الوطنية ، هو توجيه دعوة إلى لجنة تعديل الدستور العراقي لمعالجة الآلية الدستورية لحل مجلس النواب حين تقتضي المصلحة العامة ،حيث يفتقرُ الدستور العراقي الحالي لآلية حلْ مجلس النواب ، من قبل السلطة التنفيذية ، ولا يمكن حلْ مجلس النواب الاّ من قبل المجلس ذاته و وفقاً لاجراءات نصَّ عليها الدستور ، ومن النادر ان يُقدم اعضاء مجلس النواب على التوافق من اجل تسريحهم عن العمل !

 أعودُ إلى الاجابة على السؤال ،عنوان المقال .

سبب قرار الرئيس الفرنسي هو  نتائج الانتخابات البرلمانية الاوروبية ، والتي أظهرت تقدماً كبيرا للأحزاب اليمينية في اوروبا ،وخاصة في فرنسا ، وهذا ما كان متوقعاً ، وحسب استطلاعات الرأي ،التي أُجريت قبيل الانتخابات . و سبقَت الرئيس الفرنسي ،في قراره حّل الجمعية الوطنية و اجراء انتخابات تشريعية عامة في نهاية هذا الشهر ، مطالبات قيادات الاحزاب اليمينية ،وخاصة حزب التجمع الوطني بقيادة ماري لوبين ،والذي حصل على 31 مقعدا من مجموع 81 مقعدا ، وهي حصة فرنسا في البرلمان الأوروبي .

صراحة ، فوز الاحزاب اليمينية ،لم يكْ مفاجأة لباقي الاحزاب او للحكومات . النتائج،كانت ،مثلما ذكرنا ، متوقعة ، وخطط الحكومات و الاحزاب الأخرى للمواجهة كانت ايضاً مدروسة و مُعّدة سلفاً ، وفرنسا كبلد ديمقراطي ( باستثناء ما يتعلق بالسامّية وغزّة وفلسطين ) مرَّ بأكثر من انتخابات عامة ، حقّقَ وقتها حزب التجمع الوطني  نجاحا وصعودا، وحصدَ  نتائج أهّلته او كادت ان تؤهله للقيادة ، فلجأت  كافة الاحزاب اليسارية ، والاحزاب الوسط وحتى اليمينية، للتحالف من اجل الحيلولة دون وصول حزب اليمين المتطرف إلى سدّة القيادة .

 هدف الرئيس ماكرون من حلْ الجمعية الوطنية هو الاسراع بإجراء انتخابات فرنسية عامة ، ولكن لماذا ؟ او بماذا يفكّر او ماذا يريد ؟

 امام الرئيس الفرنسي سيناريوهان:

السيناريو الاول هو فشل الاحزاب اليمينية بالفوز بالاغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة ،في 30 من هذا الشهر . و اقصد الحزبين (حزب التجمع الوطني وحزب الاسترداد ) ، و بالتالي عدم قدرتهما على تشكيل حكومة ، وهذا ما يسعى له و يريده الرئيس ماكرون ، ويعوّل على طريقة الانتخابات في فرنسا والتي تمرُّ في دوريّن وليس دورا واحدا ،ما يعطي الاحزاب الأخرى فرصة التحالف والتأثير على جمهورها للتصويت في الدور الثاني ، لا من اجل فوز هذا او ذاك الحزب ،وانما من اجل منع فوز الأحزاب اليمينية المتطرفة ، وهذا ما حصلَ سابقاً واكثر من مرّة في فرنسا .

سيعتمد الرئيس ماكرون على حزبه ويتحالف مع الاحزاب الأخرى ،التي لها مصلحة في منع تقدّم احزاب اليمين المتطرف ، للترويج الإعلامي والشعبي ضد صعود العنصرية والكراهية . سيدغدغ مشاعر الناخبين من الاقليات ومن المسلمين، خاصة تجاه صعود الحزبين اليمينيين في فرنسا ( حزب التجمع الوطني و حزب الاسترداد ) ، ولكن ،كما اعتقد ، لن تستجيب الأقليات العربية والمسلمة للنداءات التي توظّف ادعاء الرئيس ماكرون و حزبه والاحزاب الأخرى ،بأنهم  ضد العنصرية والنازية ،حيث أمام الاقليات العربية و المسلمة وغيرها ، تجربة مواقف الحكومة الفرنسية والرئيس الفرنسي الممتنعة عن ادانة اسرائيل والعاجزة عن اتخاذ قرارات ضدَ حرب الابادة و الاعتراف بدولة فلسطين.

السيناريو الثاني هو في تحقيق الاحزاب اليمينية المتطرفة نجاحا ، والفوز بمقاعد برلمانية كثيرة ،ما يدفع الرئيس ماكرون لاختيار رئيس للحكومة من صفوف حزب التجمع الوطني ،ولربما يختار جوردان بارديلا ،وهو  الشخص القيادي الثاني في الحزب ،بعد مارين لوبن .  ويعول ماكرون على فكرة إشراكهم في الحكم للمدة المتبقية له ( سنتان ونصف ) و مواجهتهم بمشاكل وتحديات وصعوبات الحكم و الادارة ، الأمر الذي يجعل الحزب الحاكم في مساءلة و مواجهة مع الشعب ،تقودان إلى فقدانه لبعض من اصوات ناخبيه في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2027. و قد مرّت فرنسا بمثل هذه التجربة ، و اطلقوا عليها ” مرحلة التعايش بين اليمين واليسار ” ، بين رئيس جمهورية من حزب ، و رئيس وزراء من حزب معارض ؛ حصلَ ذلك بين الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران حين اختار جاك شيراك ( من اليمين ) رئيساً للحكومة عام 1986. وحصلَ ثانيةً بين الرئيس ميتران و ادوارد بلدير ( رئيس حكومة من اليمين ) عام 1993.

وحصلَ التعايش ،للمرّة الثالثة  بين جاك شيرك ،رئيساً للجمهورية (من اليمين ) ، و  ليونيل جوسبان ( اشتراكي  ) رئيساً للوزراء عام  1997 .

كما نلاحظ ، التعايش الذي شهده الحكم في فرنسا في المرات الثلاث السابقة ،كان تعايشا بين حزب من اليسار و آخر من اليمين ،او بالأحرى رئيس جمهورية من اليسار و رئيس حكومة من اليمين ، وبالعكس .

هل سنشهد في الشهر المقبل ،ولأول مرّة ، حكماً في فرنسا حيث التعايش بين اليمين واليمين المتطرف ؟

هل توجد قواسم مشتركة بينهما ؟

ان حدث ذلك ، و لا اتوقعه  ، سيكون له تداعيات سياسية كبيرة  لصالح اليسار الفرنسي في المستقبل .

*سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى