لماذا تشعر بتباطؤ سرعة الزمن؟
الزمن بمعنى امتداد للوقت او بمعنى احساس جَماعي للناس كافة على توالي متغيرات او تعاقب أحداث لا رجوع فيها الى الوراء، يختلف عن الزمن البيولوجي الخاص بكل انسان .ربما كان الزمن الواقعي سرمديا وربما لا، الا ان للزمن البيولوجي في الانسان بداية تبدأ من خلقه وله نهاية تنتهي بموته.
ادراكنا الفعلي المباشر للزمن الواقعي صعب جدا ولا يتمّ ادراكنا له الا عبر الزمان البيولوجي الخاص بنا، الخاص بكل فرد منّا ، إذ هو يختلف ما بين امرءٍ و آخر .
مع تقدم العمر تشعر النفس الانسانية انها تقترب من لحظة انتهاء زمنها البيولوجي الخاص بها ،ما يجعلها ترتبك وأحيانا تستسلم علما انها وفي اغلب الأحيان إستعدّت لتلك اللحظة عبر إيمان منظّم وطقوس وشعائر دينية هادفة لتطهير النفس من الذنوب والخطايا لتكون لحظة لقاء آخر لحظة من الزمن البيولوجي لحظة هادئة ومسالمة.
الا ان البعض يعانون من شعورهم بسرعة انسياق الزمن فيهم و من حولهم، والبعض الآخر يعانون من شعورهم بتباطؤه وفي الحالتين يتذمرون ويتأففون و يرتعبون.
الذين يشعرون بسرعة الزمن هم الذين يخافون اقترابهم من نهاية زمانهم البيولوجي الخاص بهم، اي من لحظة الموت ،وما كان لهذا الشعور ان يتبلور لولا عامل الإهتراء الفيزيولوجي والتلف الطبيعي في الخلايا العصبية الدماغية والتي تؤدي الى كسل في سرعة نقل المعلومات كناقلات كهرو-بيو-كيميائية من الحواس مجتمعة الى القشرة العليا من الدماغ ،حيث تتم عملية تحليل و فكفكة المعلومات وادراكها و وعيها وتخزينها كصور جديدة ، ما ينتج عنه تناقص تدريجي في تراكم الصوَر، وتمدد لفراغات فكرية لم يعتدها العقل ، ما يجعل الادراك يَميل و بهدف التعويض عن تمدد تلك الفراغات الى ما لديه من مخزون سابق(ذكريات الماضي) من صوَر عن احداث أوذكريات ،وذلك لملء تلك الفراغات المستجدة لديه، ما يجعل الحنين للماضي عاملا زمنيا اضافيا او عقربا بيولوجيا ثالثا دافعا للوقت في ساعة الزمن الواقعية، ما يجعل المرء يشعر بتسارع زمني غريب .
واذا أضفنا أيضا عاملا آخرا كعامل النضج العقلي نتيجة تراكم التجارب وتكرار الاحداث الذي يكسب المرء صفات العقلانية الى جانب شعور ضعف الجسد العام والخيبات وانخفاض منسوب الاغواء والاغراء مع غياب عناصر الدهشة والاعجاب والمتعة نفهم لماذا يُسلط الوعي قدراته اكثر فأكثر على نقاط وامور وافكار محددة وفي مقدمتها العمر، ما يجعل من العمر مادة وسواسية قهرية تدميرية تخشى الموت وتؤدي اليه .
هذه الاضافات النفسية من فرح وألم تتحول بدورها لعقرب بيولوجي رابع، دافع ومسرّع، يزيد من الشعور بحركة سرعة الزمن.
في المقلب الآخر هناك من يريدون التخلص من الطفولة بما تمثل من ضعف ومن خضوع للممنوع وينشدون الانتهاء من واجبات مفروضة عليهم تسبب لهم الجهد والتعب والتوتر والمعاناة كرغبة التخلص من عبء الامتحانات والاختبارات مع ميل جارف وقويّ لاكتشاف الحياة لتخطي مجهولها وصعابها بما تمثله تلك الصوَر المفترضة والمحتملة من مغامرات، مغامرات تُراكم الدهشة والاعجاب والمتعة والاكتشافات مع عناصر حماسية وبطولية وعناصر لذّات، ما يجعل الموت إحتمالاً نادراً وان حصل فانه يصيب الآخرين فقط ،هنا الموت جزء من لعبة الربح والخسارة كأي لعبة أخرى ، الموت عند هؤلاء الشبان لا قيمة واعية فعلية له، لعدم اختبارهم وادراكهم فقدان الأحبة وخسارة الاهل وخسارة الغالي .
تكاثر و زحمة الاهداف وخرائط الطرق والشوق والهيام المفرط لانجاز كل تلك المهام المتراكمة كمشاريع واعدة وكصوَرٍ من امنيات ورجاء تُشعر هؤلاء بالحاجة لزمن طويل جدا لتحقيقها كلها ،هذا الشوق العجول للانتهاء من المهمات ، يجعل احساسهم بالزمن البيولوجي بطيئا كانه لا يكفي لتنفيذها كلها.
…هل الأحمق او الغبي او المتخلف عقليا يعي تقدم العمر ويشعر بتسارع الزمن كالآخرين؟
الجواب:كلا، زمانهم البيولوجي اكثر اقترابا من ادراك الزمن الواقعي، أذ لا مهمات مسؤولة ولا تراكم موعود او حقيقي للصوَر الذهنية الفكرية، إضافة ان لا قيمة معرفية للزمن لديهم.
من اراد ان يبطىء من احساسه لتسارع الزمن البيولوجي عليه ان يراكم من المهام الجديدة والمستحدثة لنفسه، إذ تنتصب كحواجز وكجدران صوَرية تبعد بينه وبين لحظة نهاية الزمن البيولوجي فيطول عمره ويمتدّ .ولذلك نجد اكثر الناس انهماكا في العائلة والمجتمع وفي الواجبات لأطول عمرا من الآخرين كالمسنّة التي تهتم بأحفادها اليتامى على سبيل المثالً، ومن يريد ان يسرّع من زمنه البيولوجي عليه ان يخفف قدر الامكان من المهام والفروض والواجبات ومن احتمالات تراكم الصورالذهنية الجديدة لديه وأن يكثر من الفراغات الفكرية والذهنية ما يجعله يموت سريعا كحال من يركض للتقاعد ليفرح لانتهائه من الواجبات والمشاريع نجده سريعا ما يمرض ويموت.
بالتأكيد ان هناك عوامل اخرى كالحالات المرضية النفسية والعضوية والحالات الاجتماعية والاقتصادية والخ ، والتي تلعب ادوارا مهمة في تسريع وابطاء الزمن الا اننا اختصرنا الكلام قدر الامكان.
" للبحث تتمة"
د.أحمد عياش.