لماذا اللقاح الأميركي ..فقط؟
كتب محمد هاني شقير
كيف يستطيع هؤلاء الجلوس لساعات والبحث في إجراءات لمواجهة زحف الجائحة بيننا ،ولا يفكرون في قرار واحد هو الأكثر إلحاحًا في هذه اللحظات، استيراد اللقاحات من جميع أصقاع العالم؟!
منذ أن بدأت هذه الجائحة تقتل في العالم بدأ العلماء حربًا من نوع آخر، فوضعت الدول المتقدمة وغير المتقدمة مختبراتها وخبرائها في خدمة البحث العلمي لكشف هذه الجائحة ووضع لقاحٍ لها، جنبًا الى جنب مع توفير الامكانات اللازمة لكبح جماحها وحفظ حياة البشر وإن اختلفت المعالجات والفلسفات المتعلقة فيها والتي لنا جميعًا ملاحظات عليها.
منذ سنة وأكثر يراقب الناس، ولا سيما في بلداننا المتأخرة جدًا، ما يجري في اوروبا واميركا والصين، لجهة انتاج لقاح ووضع الدواء المناسب للعلاج من الكورونا. وشعرنا جميعًا في أثناء رؤية أعداد الضحايا تزداد، أن البطء هو سيد الموقف وأن الحاجة تتضاعف لولادة ذلك المولود الطبي في أسرع وقتٍ ممكن.
في لبنان كان الموقف يزداد سوءًا وتخبطًا، ولم تكُ سياسة وقائية سليمة، وشاهدنا كيف وقعنا في شرِ قرارات عشوائية غير مدروسة، بل هي قرارات مرتجلة. هل تنفع الذكرى إن استعدنا بعضًا من تلك القرارات؟
لما كانت الجائحة "ملمومةً" جرى فتح المطار للعائدين فانتشروا بيننا كالنار في الهشيم، حيث لم توضع ضوابط صارمة لعودتهم ،وهم مع الأسف لم يقدّروا حجم الضرر الذي تسببوا به لمجتمعهم. ثم كانت سياسات الاغلاق غير المدروسة والتي لم تؤت بنتائج مفيدة. وبعد فترةٍ من الزمن انحسرت الجائحة ففتح المطار والحدود فطار من طار وعاد من عاد فزادت الجائحة انتشارًا وألمًا. رافق هذه الأمور الكثير من العراضات. أتذكرون تلك التقارير التي نشرتها قنوات التلفزة، عن مبادرات غالبية الأحزاب اللبنانية لجهة تجهيزهم لمستشفيات ميدانية خاصة بمرضى الكورونا في جميع المناطق اللبنانية، أين هم اليوم؟ أتذكرون برامج جمع المساعدات للمستشفيات وتحديدًا الحكومية وجمعية الصليب الأحمر التي بلغت مليارات الليرات، أين هي هذه الأموال وأين صرفت وكيف؟
طبعًا كلنا يتذكر هبة الطحين التي كشف المطر إهمال الدولة لها وتركها تحت مدرجات المدينة الرياضية تتلف، بل ما سَلِم منها جرى بيعه لاحقًا للأفران سرًا؟ أتذكرون اختفاء مادتي البنزين والمازوت من محطات الوقود ثم بيع كميات هائلة منها بأسعار جنونية؟ أتعلمون أن مستشفىً موهوبًا للبنان قابعةً أسرّته وتجهيزاته في المدينة الرياضية والخلافات الحزبية تمنع تركيبه جنوبًا تمامًا كما هو حاصل مع المستشفى التركي في صيدا أيضًا؟
كل هذه المؤشرات كانت وما زالت سببًا رئيسًا لعدم وضع حد لتمدد جائحة كورونا، ونحن كمجتمع ندفع ثمن عقلية الساسة اللبنانيين ذات المنحى التجاري .
لقد تمكنت عدة دول من إنتاج اللقاح وباشرت تلقيح مواطنيها، واشترت معظم دول العالم كميات كبيرة منه، وتباطأت في الوصول إليه عدة دول أيضًا ولبنان من بينها. وفيما لقح الصهاينة، وهم المحظيون دائمًا في هذا العالم الرأسمالي الذي يعطف على ربيبته فيمنحها كل ما تشتهيه، فإن دول الخليج العربي قطعت أشواطًا في تلقيح مواطنيها، وهي لم تكتف باللقاح الاميركي الالماني بل استعانت باللقاحين الصيني والروسي ايضًا والتلقيح في دولهم يجري بوتيرة سريعة.
تشير آخر الأرقام الواردة الى أن النسب المئوية للتلقيح في بعض الدول قد تخطت العشرين بالمئة ،وفي خلال أسابيع سترتفع النسبة لتصل الى أرقام عالية جدًا. ماذا يعني ذلك؟ إذا ما تمكنت تلك الدول من تلقيح مرضاها وكبار السن فيها فإنها ستشهد تراجعًا كبيرًا في عدد الوفيات والإصابات. ومن سيصاب سيكون من الشباب والأصحاء الذين يملكون فرصًا أكبر للتغلب على المرض ومواجهته وتخطيه.
يجري كل هذا فيما لبنان ما زال يدرس مضاعفات اللقاح الاميركي في حين تسارع دول العالم الى حجز ما أمكنها من كميات لحفظ حياة شعوبها.
_ سبوتنيك الروسي.
_ استرازينيكا البريطاني.
_ سينوفارم الصيني.
_ فايزر الأميركي الألماني.
كل هذه اللقاحات متاحة ويجري الحديث اليوم عن لقاحٍ ايراني ايضًا، إذًا فلتبادر الدولة من فورها، الى استيراد كميات من كل تلك اللقاحات، وتلقح بها كبارنا ومرضانا؛ فلبناننا صغير ولكبح الكورونا ووضع حدٍ مؤقتٍ لخطرها، يكفي أن يصل اللقاح لنحو مليون ونصف المليون من شعبنا بشكل علمي مدروس بعيدا من المحسوبيات والزبائنية.
فهل نشهد جديةً لدى المعنيين ولو لمرةٍ واحدة في هذا العمر الذي سرقوه، وسرقوا معه، مستقبل أولادنا بعد أن نهبوا البلاد والعباد معًا؟