لماذا الرأسمالية ولادة الحروب؟
ليست بصدفة أبداً، كلّما تباطأ الاقتصاد العالمي وهبطت أرباح المهووسين بالمال وتهدّدت رفاهية شرائح من ناس حاكمة بأمرها وبأمر المال في هذا العالم، تنهض فجأة الأساطير من ثباتها و تطل أفعى التطرف الديني من جحورها التاريخية وتبدع مِلَل مرضى نفسيين بطقوسها الاستفزازية و تهيمن الهرطقات الفكرية على معظم الاخبار العاجلة والبطيئة، ونشهد إنبعاثا لخلافات قديمة بين قوميات وإتنيات وحدود لبلاد منسية ويخبرونا ان ّ للفقر علاقة بالخوف وعدم الاستقرار والتوجس والشكّ بالآخر كفرد وكمجموعة، أنّ فقر الفقير شرارة تحريك هلوسات فكرية و اساطير، وهذا حق يراد به باطل.
الفقر يحرك شارعا في مدينة، يصنع تمرّدا وثورة قصيرة النفس، ينجرف في اسطورة لكن لا يصنعها في زماننا هذا، لا يقرّر حروباً لا تأتي عليه الا بالويلات.
لا يمكن للواقع أن يكون سخيفاً الى هذه الدرجة. التدهور الاقتصادي على علاقة بمنظومة اعلامية-اجتماعية-نفسية-مالية-سياسية-عقائدية-دينية وظيفتها نشر التفاهات والحماقات بين الشعوب لتبرير الحروب.
الشعور بتهديد الغنى هو شرارة تحريك الدبابات والطائرات بعد تنظيم الاساطير واطلاقها للشعوب، ان اصحاب الثروات قادرون على القرار وعلى تحريك الجيوش و وحدهم المستفيدون من الاعمار بعد الدمار ومن بيع السلاح لكل أحمق يصدق او يقع في فخ الاساطير وذاكرة الاديان ونزاع القوميات والاتنيات.
كل العجب من متعلمين ومن مدّعي ثقافة ، تجدهم يشاركون من حيث لا يدرون في نشر وتنظيم بعث الأساطير من جديد في أوساط عقول محدودة الذكاء تتلهف للغرابة وتعشق الاندهاش وتتوق لسماع الخبر الغريب وغير المألوف لتملأ ولتنعش فراغات خيالها الفقير بما يشغل البال من لذة الخوف ولذة القلق والحيرة.
هل مارست وأحسست يوما بشعور مزج اللذة بالخوف؟.. إنه احساس رائع كالنشوة والرعشة، اشبه بمتعاطي الهيرويين، لذة يتبعها تدمير للذات.
في بدء تشكل الوعي الانساني، كان المنطق الواقعي يسأل وكان الخيال يُجيبه ،فكانت الأساطير ترجمة لخوف انساني وترجمة للذة أمل منشود بعيد المنال .
عندما تطوّر المنطق أكثر واشتدت حجّته وتمرّس العقل على الاحتمالات واستفاد من التجارب ،أعيدت كتابة وقراءة الاساطير وفق زمن وحاجات مستجدة ووفق منطق متماسك وأذكى ، فكانت الديانات اي المنطق الخائف من الموت يسأل ،و لذة عقل الواقع تجيب .
وعند تطوّر العلوم كافة ومع الخروج من زمن الميكانيك و الاوتوماتيك الى زمن الالكترون والنانو وتكامل آلةالحاسوب كعضو مرافق ودائم مع جسد وعقل الانسان، بعث مخلوق جديد انساني-صناعي لا يعرف الا الله مدى خطورته على نفسه وعلى الوجود، سمّيناه سابقاً homo-celluler .هنا أصبح منطق العقل الالكتروني يَسأل ولذة المستقبل وخوف المجهول يحضَران ليجيبان.
من يبعث إذن بالأساطير و بالنزاعات الدينية التافهة ومن يستنهض التيارات الفكرية المتحجرة الميتة سريريا .
إنّها ازمة الرأسمالية وعجزها عن حلّ أزماتها الاقتصادية.
إنه ثأر الاتحاد السوفياتي من رأسمالية ظنّت لبرهة انها انتصرت .
يا أحبّتي،كيف يكون العقل الكترونيا والافكار الرائجة في الكون حجرية؟
لا تناقشوا اهل الملل ولا تعتبوا على علماء الدين ،ليست القصة بحريق نوتردام ولا بتفجير كنائس سيريلانكا ولا بتدمير آثارومعابد وبلاد المسلمين ،ابحثوا عن الاقتصاديين اللئام في السلطة الذين يعبثون في الدول فساداً ويدفعون باتجاه الحرب، وان وقعت قالوا واتهموا تخلف الناس او اتهموا زوراً زعماء خرجوا عن الطاعة وهم يدرون انهم اسباب كل حرب وجوع.
إنهم المرضى النفسيون الخطيرون الذين يتكلمون عدة لغات اقتصادية ولكن حلولهم واحدة ومشتركة عند الازمات:
القروض الميّسرة من مصارف، والاتفاقات التجارية وفتح الحدود والاسواق المشتركة والبنك الدولي والديون فالافلاس وصولا الى الحروب.
ألم تفهموا اللعبة بعد؟
الاقتصاديون الرأسماليون هم آلهة الحروب وعفاريت الاساطير ومزيفو الاديان ،وهم أبالسة التطوّر الالكتروني السريع.