لماذا افشت “الفايننشال تايمز” نبأ اللقاء السعودي الايراني في بغداد(جواد الهنداوي)
د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص
نشرت الصحيفة الخبر، في عددها الصادر بتاريخ ٢٠٢١/٤/١٨، ونسبته الى ” مسؤولين مطّلعين”، ووصفت المحادثات بالسّرية، وبحرص الدول المعنيّة ( ايران ،السعودية ،العراق ) على سرّية و كتمان المفاوضات لضمان نجاحها و استمرارها.
للصحيفة تاريخ ( تأسست في بريطانيا وفي عام ١٨٨٨)، ومكانة ومصداقية وثقة لدي الرأي العام الدولي، وفي عالم الصحافة و الاقتصاد والمال والسياسة، وتُعد مُقرّبة من الديمقراطين الامريكيين وساندت بآرائها سياسة الرئيس الامريكي الاسبق أوباما.
لماذا وصفت الصحيفة باللقاء الايراني -السعودي في بغداد، وبتاريخ ٢٠٢١/٤/٩ بالسّري، وبالقول بحرص الدول المعنيّة بعدم افشاء اللقاء؟
ولماذا تعمّدت الصحيفة بنشر الخبر؟
هذه الاستفهامات و أجوبّتها تدلان على الدور الذي تلعبّه الصحف الرصينة و المُقرّبة من بيوتات القرار، على صناعة الحدث و توجيهه ، تدلان ايضاً عن العلاقة بين السلطة الخامسة ( الصحافة ) وبين السلطات السياسيّة، وكيف تكون الاولى ( الصحافة )، بأرادة او بدون ارادة ، وسيلة لتحقيق ما تسعى اليه السلطة السياسيّة.
لا شكَ برغبة الصحيفة المشروعة بكسب السبق الصحفي في نشر مثل هذا الخبر ، و خاصّة عندما تصف الخبر بالسّري وبحرص الدول المعنية بالموضوع، على كتمانهِ.
لا شكَ ايضاً ، ربما ، بارادة أيجابية للصحيفة بتحقيق هذا اللقاء و الاستمرار بتكراره ، وما الاعلان عنه و ترويجه الاّ وسيلة لانجاحه والمضي في مسار تهشيم الحاجز المادي والمعنوي الذي يحول دون اللقاء والتواصل بين الغريميّن ( المملكة و ايران ) .
نتذّكر جيداً حديث الرئيس الامريكي الاسبق ( اوباما ) الى مجلة ” دي اتلانتيك “، والذي اجراه ،قبيل مغادرته البيت الابيض بستة شهور، واسدى فيه نصيحة الى المملكة و الى ايران بالتفاوض من اجل حل الخلافات بينهما ، و اضاف قائلاً: ” لا استقرار في المنطقة دون التفاهم بينهما “.
تدرك جيداً القيادة السياسية في المملكة الشقيقة اولويات الادارة الامريكية الحالية برئاسة بايدن، واول هذه الاولويات هو العودة الى الاتفاق النووي ، ونحن نقترب من آجله، والعودة الى الاتفاق النووي يعني بدء التفاهم الامريكي – الايراني. كما تدرك القيادة السياسية في المملكة بجزع امريكا من الاستمرار في حرب اليمن، و بأضرار هذه الحرب على اقتصاد المملكة ومكانتها الدولية. والطريق الى كلا الهدفيّن يمّرُ من خلال تفاهم ايراني -سعودي .تفاهم يصّب في مصلحة البلديّن وفي الامل نحو امن و استقرار المنطقة ؛ تفاهم لا تعارضه امريكا و يغيض اسرائيل بطبيعة الحال.
لم أستبعد مطلقاً، بأنَّ افشاء أو تسريب خبر اللقاء
السعودي – الايراني، جاء برغبة كل الدول المعنيّة ولمصالحهم . فايقاف الحرب السعودية -اليمنيّة يصّبُ في صالح المملكة و في صالح امريكا كما هو في صالح اليمن و المنطقة.
اضفُ الى ما تقّدم الاستحقاق الانتخابي القادم في العراق و في ايران، و تتطلب المنافسة الانتخابية تحقيق انجازات استراتيجية للتأثير على الرأي العام و كسب الاصوات . لنتصوّر وقع و اثر انجاز تفاهم وتعاون، بين السعودية وايران وبواسطة العراق ، على الراي العام وعلى رأي الناخب؟
لم أترددْ في القول كذلك ان في تسريب الخبر رسالة اًلى نتنياهو شخصياً، لاجل اشعاره بأجواء جديدة بدأت تسود المنطقة، لكي يتوقف عن عربدته وتجاوزاته العسكرية تجاه سوريا وايران، لاسيما وانَّ الادارة الامريكية اعربت سّراً، عن امتعاضها عن ما قامت به اسرائيل من اعتداءات على موقع طنز النووي في ايران.
وقد تكون جهات اسرائيلية أو امريكية هي مَنْ اوعزت أو همستْ الى صحيفة الفايننشال تايمز بالخبر، والغرض هو اكراه نتنياهو على ضبط النفس وعدم جّرْ اسرائيل الى الويلات. الصحيفة لم تخفِ ذلك، حيث قالت بأنَّ نشر الخبر كان بحسب “مسؤولين مطلعين”، وعلينا ان نتوقع بأنَّ لهولاء المسؤولين المطلعين فائدة في اعلان الخبر.
أهميّة الحدث السياسي ليس فقط في نتائجه و انما في توقيته ايضاً. وليس للحدث السياسي توظيف واحد، وانما توظيفات متعددة الجوانب والابعاد. وعندما يكون هذا الحدث ايجابي وانساني فلا بأس في تعدّدْ توظيفاته.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل