لماذا اعترفت إسرائيل بعد 42 عاما بتفجير مقر حاكمها العسكري في صور؟(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوار نيوز
كان من الملفت اعلان العدو الاسرائيلي بعد 42 عاما ، تفجير مقر الحاكم العسكري في صور من أحد المقاومين اللبنانيين، والتخلي عن الرواية التي اعتمدها العدو بأن الانفجار نتج عن تسرب للغاز. واصدر تحالف القوى العسكرية والأمنية الإسرائيلية بــيـن الـجـيـش الإســرائــيــلــي وجــهــاز الأمـــن الــعــام -الــشــابــاك -والشرطة الإسرائيلية، فـــي بــيــان مــشــتــرك ان (الإنفجار المميت الذي استهدف مبنى مقر قيادة الجيش فـــي صـــور بــلــبــنــان عـــام 1982 ،يــعــد هـجـومـا مسلحًا ولـيـس حـادثـا ناتجًا عـن تـسـرب غـاز)!
والذي يثير التساؤل الحذر لماذا اعترفت إسرائيل(العسكرية) الان،ولماذا اعتبرته عدوانا ايرانياً مباشراً ،بمفعول رجعي على إسرائيل؟
لا يمكن محو تفجير مقر الحاكم العسكري في صور عام 1982 من الذاكرة الإسرائيلية او اخفاؤه عن منظومة الوعي الإسرائيلي، والتي اغتصبها المقاومون في جنوب لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي، وافقد اسرائيل عذريتها ،لناحية القوة المطلقة والجيش الذي لا يقهر!
في ذروة الحديث عن اقتراب الحرب اللبنانية-الإسرائيلية وتزايد عدد الموفدين بزيارات مكوكية بين لبنان واسرائيل،فإن إعادة تذكير الجمهور الاسرائيلي وفتح ملف مقر الحاكم العسكري في صور لعدة تفسيرات متناقضة بسبب البلبلة والارتباك في الداخل الإسرائيلي وتعدد جهات القرار والرأي وعدم مركزية القرار والتمايز بين موقف الجيش والقيادة السياسية، ويمكن قراءة هذا الإعلان الإسرائيلي بعدة تفسيرات وفق التالي:
– تذكير الجمهور والجيش الاسرائيلي والقيادة السياسية والعسكرية ان المغامرة بالحرب على لبنان عام 2024 ،تختلف عن المغامرة السهلة في اجتياح عام 1982، والتي انتهت” بنكسة إسرائيلية” تمثّلت بالفرار والانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 من دون قيد او شرط ومن دون اتفاقية سلام، واستولدت مقاومة لبنانيه بدأت متعددة التنظيمات والايديولوجيات، من يسارية وعلمانية وإسلامية، وانحصرت الان بالفكر الاسلامي التحرري الذي كان أكثر قوة واصالة وثباتاً ومبدئية من منظومات المقاومة التي سبقته، ويشكّل الان حجر الزاوية في محور المقاومة، وبالتالي يمكن الاستنتاج ان التذكير بهذا التفجير محاولة لفرملة وكبح جماح من يطرح شعار اجتياح جنوب لبنان .
– ان اتهام ايران، محاولة لنقل المعركة من ميدان حلفاء ايران في غزه وفي لبنان واليمن والعراق، الى ميدان القائد لهذا المحور وهو “ايران”، والذي يمكن تحشيد تحالف دولي ضد ايران بقيادة امريكا ،لاختصار المسافات وتجفيف النبع الاصلي بدل الوقوع في مستنقع حرب الاستنزاف التي بدأت منذ ثمانية اشهر، والتي يقوم بها محور المقاومة ضمن استراتيجية “الصبر الاستراتيجي”الذي يتجنب الوقوع في فخ الحرب الكبرى الحاسمة والمراهنة على عامل الوقت والتهشيم البطيء للكيان الإسرائيلي، حتى لو استمرت معركة الاستنزاف لسنوات والتي لا يستطيع العدو الاسرائيلي تحملها.
– تعبئه الجمهور الإسرائيلي، خاصة جيل الشباب الذي لم يكن قد ولد بعد في عام 82 ،بالخطر والتهديد الكبير الذي تمثله المقاومة في لبنان، وان اهمال توجيه ضربة او تأجيلها سيكون لصالح المقاومة وضد الكيان الاسرائيلي ،لأنه سيفسح المجال امام المقاومة لزياده قدراتها وتآكل قوة الردع المعنوي والمادي لدى الكيان الاسرائيلي ،يضاف الى محاولة العدو الاسرائيلي تضخيم الخسائر لجهة النازحين او القتلى او الجرحى او البيوت المصابة او خسائر الاقتصاد الإسرائيلي، لإظهار المظلومية امام الراي العام العالمي واظهار العدو الاسرائيلي بموقف الدفاع عن النفس حتى في حربه الهجومية وتبرير عدوانه على لبنان!
لكن مهما كانت التفسيرات المتناقضة فإن إعلان العدو الاسرائيلي يمكن اعتباره بمثابة نقطة ضعف له، ونقطة قوة لصالح المقاومة، حيث يعترف العدو بعد اربعة عقود بقدراتها وقوتها، ويعترف بأن ما زرعه المقاومون في جنوب لبنان ،ما زال يثمر ويزهر بعد 40 عاما، ويؤكد ان اول مسمار في نعش الكيان الصهيوني ضربه المقاومون اللبنانيون، ثم المسمار الثاني عام 2006 وساندهم المقاومون في غزه، بأنهم زادوا عدد اخشاب التابوت الإسرائيلي!
مع كل ذلك لابد من الحذر والاحتياط من الغدر الاسرائيلي في لحظة جنون وانكسار وفشل لم يتعرض لها منذ تأسيسه ولا يزال مستمراً..