رأيصحف

ضياعنا في الوقت الضائع (نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

 

لمن يعنيهم الأمر. الكاتب «الاسرائيلي» البارز ديفيد غروسمان رأى أن ترحيل حركة حماس من غزة، لا يختلف عن ترحيل الرمال من أرض غزة. ماذا عن اقتلاع حزب الله من لبنان، الذي لا يختلف عن اقتلاع الجبال من أرض لبنان؟…

لعل التوصيف الأكثر دقة للمشهد اللبناني الراهن “الضياع في الوقت الضائع». الكل في حالة انتظار لما يقوله دونالد ترامب، لا ما يقوله بنيامين نتنياهو. حتى ذلك الحين تبقى الحلبة اللبنانية خالية من الأضواء ومن اللاعبين، باستثناء مسلسل الاغتيالات الذي تقوم به الطائرات الاسرائيلية، لأن بقاء رئيس «الحكومة الاسرائيلية» في موقعه، يفترض المضي في لعبة الدم حتى النهاية.

وحدهم ديوك أو ببغاءات الشاشات باقون كشهود على مدى استشراء ثقافة التفاهة بيننا، ترداد ميكانيكي للمواقف التي غالباً ما تكون من النوع الغرائزي، كما لو أننا لسنا الأوراق الميتة على المسرح الاقليمي، أو على المسرح الدولي، كوننا الركام الطائفي الذي لا يمكن له أن يبني دولة قابلة للحياة، بل دولة تشبه الكتابة على حائط جهنم…

بلوانا أننا في جمهورية من دون أسوار، وفي منطقة من دون أسوار. اجترار مرير للقبلية، وكذلك للطائفية التي قال محمد أركون انها “عالتنا الكبرى أمام الله وأمام التاريخ”، معتبراً أن العرب الذين استساغوا الاقامة في المنطقة المظلمة من التاريخ، سيبقون هكذا يقتاتون من “فتات الأمم ومن فتات الأزمنة”، ليتحدد مصير دولهم ومصير عروشهم في أمكنة أخرى من العالم، بعدما أعرب رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دو فيلبنا عن ذهوله عن بقاء العرب في “الغيبوبة العثمانية”، بعد أكثر من قرن على سقوط السلطنة.

من يرفعون اصواتهم لكسر هذه الغيبوبة عقابهم، اما الاقامة في الأقبية أو الاقامة في القبور، لتبدو أمامنا تلك الظواهر التي تحتضنها واشنطن والتي تطرح كبنية ايديولوجية للدولة، ذلك الاسلام الآتي من الكهوف. لاحظوا الاهتمام بالنظام الجديد في سوريا، ودون أن نترحم على النظام السابق، ليكون القهرمانة في الحرملك الأميركي، وحيث تتحلل أرواحنا أمام لعبة القرن، تماماً كما تتعفن الجثث العفنة. 

هنا نشير الى أننا لا ننظر الى حركة حماس على أنها تجسيد لفكر حسن البنا، أو لفكر سيد قطب، وحيث التلاشي في ثقافة الطرابيش، وانما كحالة ثورية (وليس الحالة الماورائية) خرجت من التراب الفلسطيني من أجل التراب الفلسطيني، لمواجهة الستاتيكو الأميركي ـ «الاسرائيلي» بالقضم التدريجي للأراضي وللأرواح، من أجل تحقيق تلك الخرافة “اسرائيل الكبرى”، كضمانة ايديولوجية واستراتيجية للبقاء الأميركي في الشرق الأوسط الى الأبد. كما لو أن الأزمنة تمتطي الأحصنة الخشبية لا العواصف، كما قال فريديريك نيتشه…

هل حقاً أن الأداء الأسطوري للمقاتلين الفلسطينيين وللمقاتلين اللبنانيين، هز أركان الدولة العميقة في الولايات المتحدة، فكان الحديث عن اعادة النظر في التعامل مع الأنظمة الشائخة، ومع العروش الشائخة. لكننا لا نتوقع أي تغيير جذري في صياغة السياسات، وفي صياغة الاستراتيجيات، بحلول الأنبياء، كما تصور الفرنسي الكسي دو توكفيل، في كتابه “الديموقراطية في أميركا»(1835 )، محل رعاة البقر…

في نظرنا أن التدخل الديبلوماسي الأميركي، بتلك الديناميكية الفاعلة، وحيث بدا بنيامين نتنياهو داخل القفص بانتظار حبل المشنقة، انما هو لإنقاذ اسرائيل، ومع الاقتناع بقيام الدولة الفلسطينية. وكنا قد لاحظنا، بذهول، ذلك التحول في رؤية الفيلسوف الفرنسي اليهودي آلان فينكلكروت من معاد لكل ما هو فلسطيني الى داعية لإنشاء الدولة الفلسطينية على أنها “العامل التاريخ في بقاء اسرائيل لا في موتها”.

هكذا قرأ الأميركيون المشهد. آلاف الغارات على غزة، ومئات الدبابات التي شاركت، وعلى مدى عامين، في تدمير أي أثر للحياة في غزة، بالإضافة الى الحصار الرهيب. فوق كل هذا القنابل التي زودت بها الولايات المتحدة اسرائيل والتي تفوق، نوعياً ومن حيث الفاعلية، القنابل التي قدمتها لأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. ماذا فعلت كل تلك الأرمادا سوى الخراب. نتنياهو كان يعتبر أن ترحيل 2.000000 فلسطيني من غزة، ليلحق بهم 3.500000، الخطوة الكبرى نحو “اسرائيل الكبرى» دون أي اعتبار لنتائج هذه العملية بتفجير معاهدة كمب ديفيد مع مصر، واتفاق وادي عربة مع الأردن. 

في هذا السياق أكثر من جهة مسؤولة تعتقد أن ترامب سيتوجه الى الملف اللبناني بعد أن يفرغ من ملف غزة الذي يبدو أنه في الطريق الى الحل، وان كان معلوماً الاختلاف الكبير بين الملفين حتى بالنسبة الى الاسرائيليين الذين يعتبرون أن الفلسطينيين أعداء وحوديون لهم، ناهيك عن وضع لبنان كدولة، ووضع “حماس» كقضية جدلية. المهم هنا ألاّ يطلق العنان لنتنياهو لكي يحاول بالقوة نزع السلاح، وهو الموضوع المستحيل.

روجر كوهين، الكاتب في “النيويورك تايمز”، قال ان ترامب أرغم نتنياهو على خلع بزته العسكرية لأن الرياح الدولية، وحتى العواصف الدولية، لم تعد تهب لمصلحة اسرائيل. ولكن هل لنا أن نتوقع انقلاباً في شخصية “الميدوزا”، الكائن الخرافي الذي تنبعث الثعابين من رأسه، أي نتنياهو الآخر ما دام كل همه أن يبقى على ذلك الكرسي الغارق في الدم. زوجته سارة قالت ان خروجه من السلطة يعني “رحيلنا عن البلاد، لنترك اسرائيل تحترق». تناست أنه هو الذي يحترق…

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى