لعنة لبنان… لعنة شايلوك (نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
نعلم ما كانت نهاية مناحيم بيغن (بطانية الصوف). آرييل شارون (الغيبوبة الأبدية). اسحق رابين (رصاصة في الرأس)، ايهود أولمرت (طبق الحساء في الزنزانة). ولكن من يعلم ما نهاية بنيامين نتنياهو؟ زوجته سارة، بطريقة التوتاليتاريات العربية، قالت “نهايته نهاية “اسرائيل” لأنه يمثل روح اسرائيل”. سألت إذا كان أفول نجوم السياسة، وآخرهم زوجها، يعني أفول نجمة داود؟
ربما الأكثر طرافة واثارة، ذاك الكلام الذي يصدر عن بعض “حاخامات” اليمين. هؤلاء الذين يزيدوننا اقتناعاً بأن كهوف تورا بورا في “الجبال البيضاء” شرقي أفغانستان، انما حفرت في وجوههم ولكن بالتكشيرة التوراتية. خائفون في ضوء نتائج الحرب على كل من غزة ولبنان، من أن تحل التكنولوجيا الأميركية محل الايديولوجيا الالهية. هم أول من حذروا من أن يحل البيت الأبيض محل الهيكل، حتى اذا تلاشت الديناميكية اللاهوتية داخل العقل “اليهودي” تلاشت “الدولة اليهودية”…
لطالما رددنا كيف كان لنتنياهو أن يقاتل، بالأحرى أن يقتل، على ذلك النحو المنهجي والهمجي، دون القاذفات الأميركية والقنابل الأميركية والاحداثيات الأميركية، لنتوقف عند سؤال المؤرخ “الاسرائيلي” آفي شلايم “اذا كان دافيد بن غوريون أعاد السبب في ولادة “اسرائيل” وفي بقائها، كونها الصنيعة الالهية، ماذا ينتظرها حين تتحول الى صنيعة أميركية”؟
شلايم ضد السياسات “الغبية” لليمين، الذي تمكن من احداث تبدلات مثيرة في نظرة العالم الى الدولة العبرية، ليوصف قادتها في حرم الجامعات الأميركية والأوروبية الكبرى بـ “مصاصي الدماء”، ودون أن يكترثوا لما يعنيه ذلك بالنسبة الى بناء المواقف والى بناء السياسات. لا يعتقد بكلام البعض من أن “اسرائيل” تمسك بالرؤوس الأميركية، والمثال في دونالد ترامب الذي يكاد يكون “الحاخام” الأكبر في البيت الأبيض. استاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد لا يرى في أركان اليمين أكثر من “أحصنة أميركية بلهاء”.
ما يصدر من دراسات لباحثين “يهود” في المعاهد الأميركية والأوروبية المتخصصة، يشير الى مخاوف حقيقية على مصير الدولة العبرية. هؤلاء تابعوا بدقة كثافة الامدادات العسكرية التي بعثت بها الولايات المتحدة الى “اسرائيل” ابان الحرب. لولا هذه الامدادات لانحصرت مهمة الائتلاف في دفن قتلاه، الذين كان يفترض أن يسقطوا أمام الأداء الخارق لمن دعوهم بالأشباح على أرض غزة، كما على أرض الجنوب اللبناني.
المخاوف من تحول اللمسة الثيوقراطية أو التوتاياتارية، (وبحكم الخلفية الايديولوجية) الى موجة طاغية تسحق الديموقراطية “الاسرائيلية” التي لا تصلح لدولة ولدت لتكون الى الأبد في الخنادق. ثمة ساسة و “حاخامات” يرون أن على من يفترض أن يحكم “اسرائيل”، أن يكون ذراعاً لـ “يهوه” (أومطرقة “يهوه”)، لا أن يستمد سلطته من “الكنيست” الذي هو استنساخ كاريكاتوري لبنية السلطة في الدول الغربية. اللافت هنا وجود بعض “الحاخامات” الذين يعتبرون أن “روح يهوه” حلت فيهم لا في أهل السياسة، الذين تتحكم بهم أهواؤهم ومصالحهم.
هذا ما قالوه في نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد. هنا ليست فقط اللعنة اللبنانية التي تقود رؤساء حكومات “اسرائيل” الى تلك النهايات التراجيدية، انها أيضاً “لعنة شايلوك” المرابي “اليهودي” في رائعة وليم شكسبير “تاجر البندقية”، والذي كان يقتطع من لحوم زبائنه لتسديد ديونهم. وها أن ايلي ساباغ، المحقق في الشرطة “الاسرائيلية”، الذي ترأس التحقيق مع نتنياهو يقول لـ “هاآرتس”: “لو لم أكن مقتنعاً بأنه مذنب لما أوصيت بتقديم لائحة الاتهام”…
ماذا إذا أدى ذلك الى ازاحة نتنياهو عن المسرح؟ سارة قالت “لسوف نحزم حقائبنا ونغادر، ولتحترق اسرائيل”. هي امرأة قد تفوق زوجها في الحنكة السياسية. تعرف الكثير من خفايا الحكومة ومن خفايا الدولة، ليتردد أنها مَن تحرض زوجها ضد المؤسسة العسكرية “اياك وأن تضع رأسك بين ايدي هؤلاء”، لنلاحظ مدى اتساع الهوة بين القادة السياسيين والقادة العسكريين، والى حد طرح العديد من مواقع التواصل أسئلة من قبيل “من يأكل من “الحاخامات” أم الجنرالات”؟ مع وصف يوري أفنيري، السياسي القديم، للكثير من الساسة بكونهم “الأبناء غير الشرعيين للحاخامات”. “هؤلاء الذين إذا ما تسلموا مقاليد السلطة ساقونا، كما طابور الخراف، الى المحرقة”!
في نظر بعض المحللين “الاسرائيليين” أن “قضية هاغاري” (قانون الاجازة للجنود نقل معلوماتهم الى رئيس الحكومة) ليست أكثر من “لحظة طارئة” في مسلسل الخلافات الطويل، وعلى مدى الـ 14 شهراً المنصرمة، والى حد الحديث عن وصول ذلك الى نقطة قريبة جداً من الانفجار، الذي يمكن أن يقود الى الحرب الأهلية. المثير هنا أن هذا ما كان “الحاخام” الأكبر عوفاديا يوسف قد حذّر منه غداة حرب 1973. الآن، كلام على الانتقال من المأزق العسكري الى المأزق السياسي.
مفاجات كثيرة في الطريق الينا، في الداخل “الاسرائيلي”، كما في الداخل اللبناني، وربما في الداخل السوري، والداخل الايراني. هذا هو الحديث ـ والحدث ـ الديبلوماسي الآن. يستوقفنا قول أوليفييه روا “ذاك الشرق الأوسط الذي يحتاج الى ما هو أكثر من الصلاة الآن”… وكان قد سأل إذا كان الله ما زال معنياً بالمنطقة التي “أنزل عليها أكثر مما ينبغي من الأنبياء”!!