سياسةمحليات لبنانية

لعنة انتماءاتنا وتدمير هذا الوطن

 

كتب حيدر شومان
… ولا يزال الأمر معلقاً وآمال فرص تأليف الحكومة لا تبدو بشائرها في المنظور القريب. والغريب في الأمر أنه لا يُتفق على تحديد أو تسمية عوائق معينة واحدة، ففي لبنان تخضع كل الأمور والأسباب حسب انتمائك لهذه الجهة أو تلك، وانتماؤك وحده هو الذي يحدد في أية ساحة ترتفع راية الحق أو تسقط راية الباطل.
لا يهم أن يصل الدولار على أعتاب التسعة آلاف ليرة لبنانية، ويرزح نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر، والجوع آت كحقيقة واقعة وليس صورة مبالغ فيها لإبراز واقع ما، ولا يهم أن يُسجن اللبنانيون في بيوتهم هرباً من الوباء وكثير منهم لا يأكل إن لم يعمل يومياً، وتمتلئ المستشفيات ولا تتوفّر الأسرّة وينقطع الدواء من الصيدليات… كل ذلك لا يهم ما دمت أيها اللبناني تنتمي لجهة تدعم رئيس الجمهورية، وصهره بطبيعة الحال، وتحمّل مسؤولية التعطيل للرئيس المكلّف الذي لا يملك قراره في التشكيل أو الاعتذار أو تبيان العقدة الحقيقية بشكل غير موارب. أو كنت تنتمي لجهة الرئيس المكلّف وتحمّل المسؤولية لرئيس الجمهورية، وصهره بطبيعة الحال، هذه الجهة التي تريد الثلث المعطّل والاستئثار بالوزارات السيادية والتي تغدق مالاً وذهباً ومصدراً قوياً للاستفادة منه في الانتخابات القادمة بعد حين…
وبين هذا الانتماء وذاك، يبرز رجالات السياسة من هنا وهناك، من خلال تصريحات مباشرة، أو من على التويتر، وقد باتت هذه الوسيلة مرتعاً وقحاً لممارسة هواياتهم القذرة، يتقاذفون السباب والاتهامات الشخصية والعامة معتدّين بأنفسهم محقّرين الآخرين من الجهة المقابلة، وكأننا نعيش في بلد مترف لا يعاني من أية مصيبة ولم يصل إلى قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
وللأسف، فإن الانتماء، الذي يتخذه المواطن المستضعف ثوباً يلبسه ولا يقيه الحر أو البرد، ينجرّ إلى تفاهات المسؤولين ويحرّك طاقاته للدفاع أو الهجوم وكأن صاحبه بذلك يتجرّع مسكّنات تنسيه ما هو فيه وما للآخر من واقع مماثل من الفقر والعوز وضيق ذات اليد.
إن حاجات المواطنين لا تقف عند تكذيب هذا المسؤول لذاك، ولا لطلب اعتذار من عدمه، ولا تقف عند مصالح الصهر الطامح لمجد سياسي آت في القريب العاجل، ولا تقف عند عنفوان رئيس مكلف يستجدي رضا هذه الدولة أو تلك، ولا تقف عند محبة أو بغض هذا الزعيم لذلك والتفاخر بمثل هذه المشاعر الشخصية السلبية، وكأن سياسة لبنان تحدد الاتجاهات التي يسير عليها أصحابها المنساقون دفعاً للدول الخارجية. إن حاجات المواطنين تحددها أمور واضحة، وهي تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن إن كان ذلك متاحاً أو مقدوراً عليه من قِبل أصحاب القرار، وإلا فعلى العاجز أو الضحية تبيان الأمور للرأي العام وإعلان أسباب الفشل وليس الاختباء خلف مسمّيات واهنة واهية ما أنزل الله بها من سلطان.
على رئيس الجمهورية أو الرئيس المكلّف، كلٌ على حدة، إطلاع الناس على العوائق التي يضعها الآخر أو الجهة التي ينتمي إليها، فلم يعد للناس أي طاقة لاستيعاب الأوقات الضائعة التي تربك الأوضاع المعيشية وغيرها أكثر فأكثر، وتدمّر البلاد أكثر فأكثر، فالتمسك بهذا الزعيم أو ذاك لم يعد أولوية عند أكثر فقراء الوطن، وتراشق المسؤولين السياسي الأحمق يثير الغضب والقرف والريبة، خصوصاً وإن الطبقة الحاكمة، بمختلف انتماءاتها، مع الأقلية القليلة التي تعيش من خيراتها، هذه الطبقة المخملية في واد والناس المستضعفة في وادٍ آخر، وقد آن الأوان لهؤلاء أن ينتزعوا ثوب الانتماء الذي بات بالياً عتيقاً وسخاً لا يحدّث إلا بالذل والخنوع والجوع، خصوصاً وأن هذا الثوب الرخيص ينتمي إلى كل الطوائف والمذاهب والأحزاب والعائلات الارستقراطية والموروثات الطبقية القديمة.
إن الانتماء لغير الله والوطن أنتج في بلادنا حروباً وويلات ولمّا يزل، والصورة الشاحبة التي نراها لوطننا الصغير لا تترك للتفاؤل أية مساحة، فهل نحيا أذلاء بانتماءاتنا ونقتل بأيدينا هذا الوطن؟ 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى