رأي

لستم منتصرين ولسنا مهزومين(وليد شرارة)

 

الحوارنيوز- صحافة

تحت هذا العنوان كتب وليد شرارة في صحيفة الأخبار:

 التدمير المنهجي الذي شرع به الجيش الإسرائيلي للقدرات العسكرية السورية، والذي تخللته «أكبر عملية جوية تقوم بها إسرائيل في تاريخها» وفقاً لما نقلته إذاعة هذا الجيش عن مسؤول أمني كبير، هو الذي يشي بإستراتيجية الغرب الجماعي الفعلية حيال سوريا وشعبها، بعد سقوط نظام بشار الأسد، والنوايا التي يبيتها بالنسبة إلى حاضرها ومستقبلها.
لا حاجة إلى التذكير بقاعدة منطقية بديهية مفادها أن المعيار الحقيقي لفهم حقيقة إستراتيجية الدول والقوى السياسية هو أفعالها لا تصريحات قادتها ومواقفهم المعلنة. سارع هؤلاء للتعبير عن بهجتهم باستعادة السوريين لحريتهم بعد انهيار النظام، وفي الآن نفسه أطلقوا العنان لوكيلهم العضوي الإسرائيلي ليعيث فيها قتلاً وخراباً. فالعدوان الإسرائيلي الحالي على سوريا يندرج في سياق الحرب الصهيونية-الأميركية-الغربية المفتوحة على شعوب المنطقة بدءاً من غزة ومروراً بلبنان ووصولاً إلى الشام.
نحن في الواقع أمام تغوّل إسرائيلي في الإقليم ما كان ليصبح ممكناً لولا رعايته من قبل الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة، ومشاركته المباشرة فيه. وعندما يتحدّث نتنياهو عن «تغيير الشرق الأوسط» كغاية عليا لحربه، مستعيداً خطاب «إعادة صياغة الشرق الأوسط» الأميركي، هو يفعل ذلك باعتباره ناطقاً رسمياً باسم هذا الغرب في منطقتنا. وكما اصطدم هذا المشروع بمقاومة عنيدة وحازمة من قبل الشعبين الفلسطيني واللبناني، سيصطدم بمقاومة من غالبية الشعب السوري ومن القوى التي تمثّله، والتي لن ترضى أن تخضع سوريا للوصاية الإسرائيلية-الأميركية-الغربية.

إن المطروح من قبل الأميركيين والغربيين وبعض حلفائهم من العرب على السوريين هو قبولهم بوصاية إسرائيلية – أميركية غربية على بلادهم المنزوعة السلاح والتخلي عن الجولان وإدارة الظهر لفلسطين

من ابتهج في الغرب وفي المنطقة وفي لبنان، وتحديداً في صفوف اليمين الانعزالي الفاشي، الكاره للعرب والمسلمين، من التطورات التي جرت في سوريا، ظنّاً منه أنها ستفضي إلى الإجهاز على المقاومة في الإقليم سيخيب أمله عاجلاً وليس آجلاً.
معنى العدوان الإسرائيلي الراهن على سوريا
استهداف إسرائيل للقدرات العسكرية السورية واستيلاؤها على أراضٍ سورية تساوي ضعف مساحة غزة بعد اجتياحها انطلاقاً من الجولان المحتل باتجاه جبل الشيخ في القنيطرة، هما جزء من سياسة «اغتنام الفرص» المعتمدة من قبل الحكومة الصهيونية-الفاشية الراهنة. حرمان دول الطوق العربية، وفي المقدمة منها سوريا، من أبسط مقومات القوة والسعي الدائم إلى إضعافها، وحتى إلى تفتيتها إن كان ذلك ممكناً، هي بين الثوابت الإستراتيجية التاريخية للدولة العميقة الصهيونية. لكن هذا المعطى المهم لا يغني عن طرح أسئلة مهمة بدورها عن توقيت العدوان الإسرائيلي ومغزاه في السياق الحالي. لو كانت الولايات المتحدة متحكمة بمسار الأمور في سوريا ومتحكمة إلى حد كبير بالقوى الرئيسية في المعارضة المسلحة التي سيطرت على المساحة الأوسع من الأراضي السورية، باستثناء تلك المجموعات الموجودة في القنيطرة والسويداء ودرعا والمرتبطة بالأميركيين والإسرائيليين والإمارات والأردن، هل كانت إسرائيل لتشنّ عدوانها على سوريا؟ لقد ركّز الجيش الصهيوني، قبل انهيار النظام السوري، ضرباته على مراكز الحرس الثوري وحزب الله وحلفائهم وسعى إلى تجنّب ضرب مواقع وقدرات الجيش السوري بـ«طلب روسي» كما كان يقال. هي اليوم تهاجم حصراً القدرات العسكرية السورية وتبرّر ذلك، وفقاً لبعض المسؤولين الصهاينة بذريعة «عدم ثقتها بالمجموعات الإسلامية المسلحة» وخطورة وضع يدها على هذه القدرات.

العداء الإسلامي لإسرائيل
التيارات الإسلامية بغالبيّتها العظمى معادية لإسرائيل عقائدياً وسياسياً وتحتل قضية فلسطين وتحرير القدس والمسجد الأقصى موقعاً أساسياً في فكرها وأدبياتها. لا يعني هذا الأمر أن الأولويات السياسية لبعضها، خاصة في دول الطوق، لن تدفعها إلى «تأجيل» المواجهة مع الكيان الصهيوني واعتبار المعركة مع نظام من الأنظمة أو مع قوى سياسية واجتماعية أخرى تناقضاً رئيسياً على حساب التناقض مع إسرائيل، بل وقد يندفع بعضها إلى حد «التخادم» مع من يعتبره عدوّاً ثانوياً في ظروف معينة لحسم الصراع مع العدو الرئيسي. غير أن الوضع في سوريا، التي لديها أراضٍ محتلة من قبل الكيان الغاصب، والتي تستهدف بعدوان غادر وواسع النطاق وغير مسبوق، سيفرض على أي قوة طامحة لأن تلعب دوراً سياسياً مركزياً في إعادة صياغة مستقبل البلاد بأن تضع التصدي للتحدي الصهيوني على رأس جدول أعمالها. إضافة إلى ذلك، فإن الداعم الإقليمي الأبرز لهذه القوى، أي تركيا، تخشى سياسة التغوّل الإسرائيلي في الإقليم المتّبعة من قبل حكومة نتنياهو ومشاريعه لصياغة الشرق الأوسط وميله المتزايد للعب بورقة الأكراد، ليس في سوريا وحدها، بل كذلك في إيران وتركيا.
نقطة أخيرة لا بد من الإشارة إليها، وهي أن منظمات إسلامية كحماس، وشخصيات وازنة في الوسط الإسلامي، لديها علاقات وصلات قديمة ووثيقة مع تنظيمات وشخصيات مؤثرة في الوسط الإسلامي السوري.
صحيح أن الولايات المتحدة تحاول، بالإضافة إلى اعتمادها على العصا الغليظة الإسرائيلية لتدمير مقومات القوة السورية، التلويحَ بجزرة رفع اسم هيئة تحرير الشام عن قائمة الإرهاب وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع «سوريا الجديدة». بكلام آخر، فإن المطروح من قبل الأميركيين والغربيين وبعض حلفائهم من العرب على السوريين هو قبولهم بوصاية إسرائيلية-أميركية غربية على بلادهم المنزوعة السلاح والتخلي عن الجولان وإدارة الظهر لفلسطين التي تتعرض للإبادة والتطهير العرقي في مقابل الفتات. الغطرسة الاستعمارية عندما تتحكم في العقول مرض عضال لا يشفيها سوى الارتطام بأرض الواقع والحقائق الصلبة. يتعامى هؤلاء عن أن فلسطين، بالنسبة إلى غالبية وازنة من السوريين، هي جنوب سوريا وقضية داخلية وليست خارجية، وسيثبت المستقبل القريب ذلك. وتأتي الرعاية الأميركية والغربية للتحوّل الإسرائيلي، وهي مرشحة للتعاظم بعد وصول ترامب وفريقه إلى السلطة، لتضاعف من خطورة التحدي بالنسبة إلى جميع القوى الحريصة على الاستقلال والسيادة في الإقليم العربي- الإسلامي وليدفعها إلى تجاوز أحقاد الماضي القريب وضغائنه والتعاون لدرء هذا التهديد في الحد الأدنى. سيكون مثل هذا التعاون كفيلاً بأن يختنق أصحاب العقول العنصرية-الطائفية المريضة في الغرب وفي لبنان، الذين راهنوا على اقتتال المسلمين، في غيظهم.
* كاتب من أسرة «الأخبار»

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى