
الحوارنيوز – ترجمات
كتب ديفيد م. هالفينغر وآرون بوكسرمان في صحيفة نيويورك تايمز:
قبل الاجتماع الذي عُقد يوم الاثنين، كان السؤال يتمحوَر حول ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيُمارس ضغطاً كافياً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة.
في النهاية، حصل نتنياهو من مقترح ترامب على كل ما كان يمكن أن يأمله تقريباً: مطلب بأن تُفرج «حماس» فوراً عن الرهائن وتُلقي سلاحها، ومن دون ذلك سيكون لإسرائيل ضَوء أخضر لمواصلة قصف غزة بلا قيود.
أمّا بالنسبة إلى القوات الإسرائيلية، فسيُسمح لها بالبقاء بمحيط غزة في المستقبل المنظور. وجاء التلميح إلى الطموح الفلسطيني نحو إقامة دولة باهتاً، إلى حدّ أنّ المقترح أوحى عملياً بأنّ عليهم أن يواصلوا الحُلم فقط. كما أنّ السلطة الفلسطينية لن يكون لها أي دور في غزة في أي وقتٍ قريب.
كانت تلك لحظة نادرة من الانتصار، أظهرت أنّ نتنياهو ما زال قادراً على نَيل الكثير – إن لم يكن كل – ما يريده، على رغم من العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل واعتراف دول أوروبية عدة بدولة فلسطينية، فترك انسحاب ديبلوماسي نتنياهو يلقي خطاباً في الأمم المتحدة أمام قاعة شبه فارغة.
إلى جانب ترامب، أشاد نتنياهو بالخطة المدعومة أميركياً، باعتبارها تفي بشروطه الخاصة لإنهاء الحرب مع «حماس». وبدا أنّ الحكومات العربية والإسلامية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، مستعدّة للانصياع. أمّا بالنسبة إلى «حماس»، فلن يكون لها أي رأي في مستقبل حُكم قطاع غزة، ما جعل واضحاً ما كان مُبهماً في محاولات سابقة لإنهاء النزاع.
ومع ذلك، فقد أُنهِكت الحركة وقيادتها بفعل الحرب، وتواجه ضغوطاً واضحة من دول إسلامية، بما فيها راعيَتاها قطر وتركيا، إلى حدّ أنّ قبولها بالأمر لم يَعُد مستحيلاً تخيُّله.
الآن، على قادة «حماس» أن يُقرّروا ما إذا كانوا سيقبلون خطة ترامب، أو يتفاوضون على شروطها، أو يرفضونها بالكامل. وتنطوي جميع الخيارات على مخاطر جسيمة بالنسبة إلى الحركة المسلّحة، التي صمدت لعامَين من الهجوم الإسرائيلي عبر خوض تمرّد شرس.
وكان من المتوقع أن يلتقي مفاوضو «حماس» مسؤولين أتراكاً، أمس في الدوحة، «لدفع الأمور نحو إنهاء الحرب عبر هذه الخطة»، بحسب ماجد الأنصاري، المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية.
أمس، أعلن ترامب أنّه سيمنح «حماس»: «3 أو 4 أيام» للردّ على المقترح، إذ ستجد صعوبة في قبول اتفاق يعني عملياً التخلّي عن حُكمها في غزة، وتجاهل مسار واضح نحو إنهاء النزاع، ممّا ينطوي على خطر إثارة غضب الفلسطينيِّين أكثر، بعدما عاشوا نحو عامَين كارثيَّين من القتل والدمار. وقد اتهم بعض الغزيّين «حماس» بخَوض حرب من أجل بقائها السياسي على حسابهم.
واعتبر إبراهيم مدهون، المحلل الفلسطيني المقرّب من «حماس»، أنّ خطة ترامب «قائمة على استبعاد حماس»، ما يجعل من الصعب على الحركة القبول بها. وأضاف أنّ مسؤولي «حماس» سبق أن أكّدوا أنّ عناصر أساسية، مثل التخلّي عن أسلحتهم، تمثل خطاً أحمر. لكنّ «حماس» قد توافق على المقترح، أو على الأقل تقبّله كأساس للمفاوضات، لإنهاء الحرب. لكن العديد من النقاط الـ20 الأخرى الواردة في الخطة كانت غامضة بشكل فاضح، ما يعني أنّها ستتطلّب مفاوضات مطوّلة لحسمها: «كل بند عبارة عن حقل ألغام يستدعي اتفاقاً منفصلاً بذاته».
بعد سماع بنود المقترح، رأى محمود أبو مطر (27 عاماً)، المقيم في وسط غزة، أنّ غالبية ساحقة من الفلسطينيِّين هناك سيُرجّحون تأييد الاتفاق من أجل وضع حدّ فوري للعنف: «لا نريد المزيد من الحرب وسفك الدماء. الكرة الآن في ملعب حماس».
بعض أهم اللاعبين في رؤية ترامب-نتنياهو لغزة لم يتحدّثوا في البيت الأبيض، من بينهم دول عربية وإسلامية عرضت إرسال قوات أو تقديم تمويل لقوة حفظ سلام، لتوفير الأمن في غزة، بما في ذلك مصر، السعودية، الأردن، والإمارات، التي وضعت شروطاً واضحة لمشاركتها بعد الحرب، من بينها انسحاب إسرائيل الكامل من غزة، والتزامها بمسار نحو دولة فلسطينية. كما اشترطت أن تدعوها السلطة الفلسطينية إلى غزة، حتى تُعتبر داعمة للممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بدلاً من كونها قوّة احتلال أخرى.
لكنّ الخطة التي طرحها ترامب ونتنياهو لم تستجب لأي من تلك الشروط. فإسرائيل لن تحتفظ فقط بمنطقة عازلة داخل حدود غزة، بل إنّ قوّة حفظ السلام متعدّدة الجنسيات ستتسلّم أراضي بشكل مباشر من الجيش الإسرائيلي. أمّا السلطة الفلسطينية، فسيُستبعد دورها حتى تصل إلى مستوى إصلاح شامل، لدرجة أنّ نتنياهو سَخرِ من الأمر، واصفاً إياه بـ«التحوّل المعجزي» غير المرجّح حدوثه.
أمّا بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية، فنصّ المقترح فقط على أنّه مع إعادة إعمار غزة «قد تكون الظروف أخيراً مهيّأة لمسار مَوثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة»، إذا ما نُفِّذ برنامج إصلاح السلطة «بأمانة». ومع ذلك، لم يرد شيء عمَّن سيُحدِّد ذلك أو كيف.
وعلى رغم من أنّ المقترح بدا مؤاتياً لنتنياهو، إلّا أنّه تضمّن تنازلات قد تكون مكلفة سياسياً بالنسبة إليه. فقد أشار إلى احتمال قيام دولة فلسطينية مستقبلاً، شجّع على بقاء الفلسطينيِّين في غزة، ورفض بشكل قاطع ضمّ إسرائيل للقطاع، وهي نقاط اعتبر نداف إيال، كاتب العمود في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الوسطية، أنّها «تُحطِّم تماماً أحلام اليمين المتطرّف».
وقد أبدى وزراء خارجية 8 دول عربية أو ذات غالبية مسلمة ترحيباً مشروطاً بمقترح ترامب-نتنياهو في بيان مشترك، مؤكّدين استعدادهم للتعاون معه. لكنّهم أوضحوا أنّهم ما زالوا يُصرّون على «انسحاب إسرائيلي كامل» وعلى إقامة «سلام عادل على أساس حلّ الدولتَين، فيُدمج قطاع غزة بالكامل مع الضفة الغربية في دولة فلسطينية».
بالنسبة إلى نمرود نوفيك، المفاوض الإسرائيلي المخضرم ومبعوث رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز، فإنّ هذا الموقف «المشروط بنعم» لم يكن مفاجئاً: «قد ندخل في مفاوضات طويلة جداً فيما الحرب مستمرة، والرهائن في خطر، والفلسطينيّون يموتون، وتبقى الكرة في ملعب العرب».
وعلى رغم من عدم وجود أي دور مخطط لها في غزة، رحّبت السلطة الفلسطينية مع ذلك بـ»الجهود الصادقة والحازمة» التي يبذلها ترامب لإنهاء الحرب، وأكّدت «ثقتها بقدرته على إيجاد مسار نحو السلام» وأنّها تريد «دولة فلسطينية حديثة وديمقراطية ومنزوعة السلاح».
كما أعلنت السلطة، أنّها ملتزمة بتغيير المناهج الدراسية التي يعتقد المنتقدون أنّها تُشَيطن إسرائيل، وبإلغاء دفع المخصّصات للأسرى الفلسطينيِّين وعائلاتهم. وأكّدت أنّها ستسمح برقابة دولية على هذه التغييرات.



