رأي

الجيش اللبناني بين مهمته الوطنية والانزلاق إلى الداخل: منطقة بعلبك نموذجا(زينب إسماعيل) 

 

زينب اسماعيل – الحوارنيوز

ما حدث اليوم في منطقة بعلبك من قصف جوي باستخدام طائرات مسيّرة، استهدف مطلوبين وتجار مخدرات، يشكّل سابقة خطيرة في سلوك المؤسسة العسكرية اللبنانية.
نعم، لا خلاف على ضرورة ملاحقة المجرمين وتجار الموت، لكن لا بهذه الطريقة، ولا خارج إطار القانون.

منذ متى أصبح تنفيذ الأحكام يتم من الجو، وبسلاح فتاك؟ أين القضاء؟ أين المحاكمة العادلة؟ أين الحبس، والحق بالدفاع، وحتى حكم الإعدام – إن لزم – عبر القانون فقط؟
المطلوبون أخطر ما يكون، نعم. ولكن ذلك لا يمنح أي جهة – حتى الجيش – صلاحية أن تحلّ محلّ القاضي.

اللافت في هذه العملية أنها المرّة الأولى التي يستخدم فيها الجيش طائرات مسيّرة داخل الأراضي اللبنانية بهذا الشكل، وهنا تطرح تساؤلات عديدة، أبرزها:
من أين أتت هذه المسيّرات؟
هل هي من ضمن المصادرات التي تمّت سابقًا من مخازن تابعة لحزب الله؟
وإذا صحّ هذا، فكيف تُستخدم أدوات “المقاومة” في الداخل بدل أن تُوجّه إلى العدو؟!

لو أن هذه المسيرات وُجّهت إلى أقصى الجنوب، إلى الأراضي المحتلة، لربّما كنّا صدّقنا أن الجيش يستعيد زمام المبادرة في حماية الحدود، أو على الأقل يحاول.
أما أن تُستخدم هذه القدرة “الجديدة” في الداخل، وبحق فئة مهمّشة ومحرومة أصلاً من الدولة، فهذا لا يندرج ضمن “مكافحة الجريمة” بقدر ما يشكّل خطراً بتعميق الانقسام بين المؤسسة العسكرية والناس.

إن زجّ الجيش اللبناني في معركة داخلية، واستخدامه أدوات عنيفة دون الرجوع إلى القضاء، لا يخدم سوى من يسعى لتفريغ الدولة من معناها، ولا يخدم صورة الجيش الذي من المفترض أن يكون حامي الشعب، لا خصمه.

إذا كان الجيش قادرًا على تنفيذ ضربات دقيقة بهذه الكفاءة، فالأَوْلى أن تُستخدم لحماية الجنوب، لردع العدو، لفرض هيبة الدولة على الحدود لا على أبناء الوطن.

نعم، نريد عدالة.
نريد مكافحةً حقيقية للجريمة.
لكن العدالة لا تُبنى بالصواريخ، بل بالقضاء، وبهيبة القانون، وبالمؤسسات التي تعطي لكل إنسان – حتى المجرم – حقه في المحاكمة والدفاع.

أما العدالة التي تنزل من السماء بطائرة دون طيار، فهي ليست عدالة، بل بداية لانهيار آخر ما تبقّى من صورة الدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى