لبنان يحدد مصير الشرق الأوسط (نبيه البرجي)
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
سواء كنا مع الخط السياسي، أو الخط العقائدي، لـ”حزب الله”، أم كنا ضده. انه الحزب الذي لا يستطيع الا أن يكون لبنانياً لأنه خرج من هذا التراب، ومن آلام هذا التراب. كل ما هناك أنه يرفض أن يبقى البلد رهينة جيوسياسية، أو رهينة جيوستراتيجية، لقوى خارجية لطالما استنزفت ثروات المنطقة، وأزمنة المنطقة.
لا هو يريد أن يكون لبنان، في حال من الأحوال، ايرانياً، ولا التشكيل الفسيفسائي للطوائف يتيح ذلك، كما لا يتيح تحويل لبنان الى دمية ان في لعبة القبائل أو في لعبة الأمبراطوريات، كلتاهما تفضيان الى الهاوية.
حيال السياسات البربرية للدولة العبرية، ومنذ قيامها على الثقافة التوراتية، الأقرب ما تكون الى ثقافة الجحيم، كم يبدو مروعاً شعار “قوة لبنان في ضعفه”. لو حاول أي سياسي في العالم أن يرفع مثل هذا الشعار لتم القاؤه في حاوية القمامة. هكذا يقول التاريخ.
انها الظاهرة الهجينة التي لا تعبأ، على الاطلاق، لا بالقرارات، ولا بالمواثيق، الدولية (وحتى بالمواثيق الالهية)، ودائماً برعاية أميركية، اذ من له أن يتصور دعوة الكونغرس الى فرض عقوبات على المحكمة الدولية وعلى المحكمة الجنائية الدولية لإدانتهما اسرائيل على المذابح الجماعية التي تنفذها على أرض غزة. حقاً، أي نوع من الكائنات البشرية هؤلاء؟ فرانز فانون، صاحب “معذبو الأرض” تحدث عن ورثة الأمبراطورية الرومانية الذي يدفعون بالأمبراطورية الأميركية الى الاندثار.
لبنان، كدولة ضعيفة، تضج بالأزمات البنيوية التي صنعتها تلك الأوليغارشيا الرثة. اذ تركت الجنوب لياسر عرفات، ثم لأرييل شارون، انما تركت لبنان كله لهذين الرجلين اللذين كان هاجسهما، كل لمصلحته، تقويض الدولة اللبنانية ان كفائض جغرافي أو كخطأ تاريخي. ربما اليوم بيد آموس هوكشتين…
الدولة اياها، دولة الفساد الجنوني، ودولة الزبائنية الجنونية، اعتمدت “ديبلوماسية الأفاعي” (التعبير للراحل جورج قرم) لاجتثاث الأقدام الهمجية من الجنوب. ماذا لو لم توجد المقاومة التي تمكنت من أن تكسر بالدم خرافة القوة التي لا تقهر، بعدما استساغ الكثيرون النوم على وقع العتابا والميجانا، ما دام ساستنا يعرضون ظهورهم في المزاد العلني. قامات عالية للبيع أو للإيجار!
لاحظنا، في هذه الآونة، كثافة المبعوثين الديبلوماسيين وتنوعهم. أكثر هؤلاء لا يعنيهم لبنان. اسرائيل هي نجمة العالم الغربي. ولو لم تكن حكومات أولئك المبعوثين تتهيّب قوة المقاومة التي كرست للبنان حضوره الدولي لرأينا دبابات بنيامين نتنياهو تختال في فناء القصر الجمهوري.
هذا كلام كل من عاش تجربة الاحتلال وما بعد الاحتلال، ومن لا يفرّق بين لبناني ولبناني، أياً كان اتجاهه السياسي أو الطائفي، باستثناء أولئك الذين يصرون على البقاء في سراويل القناصل (وما أكثرهم… وما أغباهم!)، بمواقفهم الببغائية، على الشاشات، في هذه الأيام، وحيث المنطقة كلها على مفترق وجودي.
تلك المقاومة بالذات حالت دون وصول “صفقة القرن” الى “النهاية السعيدة”. أن تدور المنطقة، بكل أهلها، وبكل ثرواتها، حول الهيكل، ما اعتبره اليوت آبرامز “السبيل الوحيد أمام العرب للبقاء، كدول وكمجتمعات. ولكن ألم تكن الولايات المتحدة وراء صناعة تلك الأنظمة لمنع الأجيال من الدخول في لعبة القرن، والبقاء هكذا في مهبّ الحرائق حيناً، وفي مهبّ الزلازل حيناً آخر؟
آبرامز نفسه، وهو أحد أدمغة اللوبي اليهودي، قال علناً ان نهاية اسرائيل تعني نهاية أميركا في الشرق الأوسط (أليس هذا خلاصة كلمة نتنياهو في الكونغرس؟). في هذه الحال، لماذا يأتي الينا آموس هوكشتين، حيناً بالايتسامة الغراء، وحيناً بتكشيرة الضباع، مهدداً أو مناشداً، ليفاجأ بعرض المقاومة (وللتوقيت حساسيته الديبلوماسية والاستراتيجية على السواء) احد عوامل القوة لديها (جبالنا خزائننا)، لتقول لواشنطن بالذات “اذا استطاع نتنياهو ازالة هذه الجبال، يستطيع ازالة لبنان والمقاومة في لبنان.
لبنان الآن يستقطب اهتمام العالم. وزير الخارجية الفرنسية السابق أوبير فيدرين قال “في ذلك البلد الصغير الذي كان يشع بالأنوار يتحدد مصير الشرق الأوسط”.
انها الايام الكبرى في لبنان. كلنا أمام احتمالات وجودية. لا سبيل لبقاء لبنان، ولبقاء اللبنانيين، الا بالقفز فوق تلك الخلافات البهلوانية، لنكون في خندق واحد. افتراقنا عن بعضنا البعض هو ما يراهن عليه الاسرائيليون الذين متى لم ينظروا الى لبنان، وكما قال يوري لوبراني، “كوميديا سياسية وتنتظر أن يسدل الستار”؟