د. جواد الهنداوي*
اللقاء المتلفّز للامير محمد بن سلمان ،بتاريخ ٢٠٢١/٤/٢٧، و ما وَردَ فيه من تصريحات، يعّبر، كما اعتقد، عن موقف جديد وجاد للمملكة تجاه ايران ، ونأمل أن تحظى الملفات الساخنة والحرجة في المنطقة ( اليمن ،لبنان ،سوريا ) بذات الاعتبار و التقييم من قبل المملكة .
تصريحات الامير الايجابية تجاه ايران تؤّكد اذاً صحة خبر اللقاء السعودي – الايراني في بغداد ، وتدّلُ (و اقصد التصريحات ) على نتائج ايجابية لتلك المفاوضات. يُحسبْ هذا الامر انجازاً سياسياً لبغداد ولجهود السيد الكاظمي، حتى وإنْ كانت الادارة الامريكية خلف هذه التحوّلات والمواقف. لم تعدْ تتحمّل امريكا تبعات النزاع والخلاف السعودي الايراني، ونتائجه على المنطقة، كما ليس من المعقول ان تتفاوض امريكا وتتصالح مع ايران، وتتركُ اصدقاءها و حلفاءها في المنطقة في نزاع و خصام مع ايران. ليس في صالح المملكة ان تبقى علاقاتها متوتّرة مع ايران، والاخيره في مسار تفاوض وتصالح مع امريكا.
الموقف السعودي الرسمي الجديد و الجاد تجاه ايران يدّلُ ايضاً على انَّ المملكة اصبحت على يقين من نجاح التفاوض الايراني الامريكي وبالشروط المريحة لايران ، ومن مصلحة المملكة ان تسبق هذا الحدث بخطوات تقارب نحو أيران.
يُحسبْ للمملكة ،في مسارها الجديد ، أمتثالها للواقع السياسي الاقليمي والدولي، وبمعطياته وبمتغيراته الجديدة ، وعدم اكتراثها للتوغل السياسي الاسرائيلي في المنطقة، ولرغبات و محاولات اسرائيل الفاشلة في عزل ايران . التقارب السعودي الايراني يُفرغ التطبيع الاسرائيلي -الخليجي من محتواه ويجّرده من ايّ نتائج سياسيّة او استراتيجية. وهذا التقارب يصّبُ في مصلحة المملكة اكثر مما هو في مصلحة ايران، فهو ( اي التقارب ) يساهم في وقف استنزاف المملكة في حرب اليمن، ويُعيد للمملكة دورها الذي تلاشى في لبنان ،من خلال رعاية ايرانية -سعودية سياسية واقتصاديّة. ومن مصلحة ايران عدم تغييب الدور السعودي في لبنان لصالح دور تركي .و تنتظر المملكة من ايران دوراً فاعلاً لايقاف هجمات الحوثيين ولوضع نهاية للحرب بما يضمن مصالح و مكانة المملكة .
أجرتْ المملكة، على مايبدو، جرداً لنفوذها الميداني والسياسي في المنطقة ( في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي فلسطين )، فخلُصت بالنتائج التالية: أصبح لها علاقات سياسية و دبلوماسية واقتصادية جيدة مع العراق ،لكن هذه العلاقات لم تلغْ او تؤثر على النفوذ الايراني في العراق .لم تعدْ الساحة السورية من اهتمامات المملكة لزحمة التواجد الميداني والسياسي الروسي والايراني والامريكي والتركي وغيرهم .
لم تعُدْ المملكة تعّول كثيرا على اصدقاء و حلفاء في لبنان، انفقت المملكة ، من اجلهم، الكثير من المال والجهدْ دون نتائج تُذكرْ لا للبنان و لا للمملكة، الاّ اللهّم ، لمصالحهم الخاصّة ولاثرائهم. كذلك حال المملكة في فلسطين الضفة وفي فلسطين القطاع، على عكس الدور الايراني العلني والصريح الداعم لحركة الجهاد والمقاومة في غزّة وفي فلسطين.
ادركت المملكة بعجز امريكا على الغاء دور و نفوذ ايران في المنطقة، فلماذا اذاً تستمر بدفع ثمن خصومة غير مربحة مع أيران! ولمصلحة مَنْ؟
ليت المملكة تدرك ايضاً، الآن وقبل فوات الآوان، بأنَّ من مصلحتها مّدْ يد العون للبنان وألا تعامله كساحة خلفيّة لايران. إنْ خسرت بعض اصدقائها وحلفائها في لبنان ،لفشلهم و لفسادهم ، لتربحْ كل الشعب اللبناني ،من خلال مساعدته، لا تخسرهُ من خلال شبه حصار اقتصادي بمنع استيراد منتجاته الزراعية بذريعة المخدرات.
سياسة فرض العقوبات الامريكية على لبنان، وسياسة الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية على لبنان، وسياسة فرض الحصار وتجويع لبنان لم ولن تفلحْ في تغيير ارادة الشعب ومتبنياته، بل العكس تماماً ، ستدفع لبنان الى الميل اكثر بالاتجاه الاخر والى التمسك بعزّته وبكرامته . لتكن حرب اليمن الفاشلة عبرة لتدخل عسكري وسياسي فاشل، و لتكن حرب سوريا ايضاً درساً آخر لتدخل عربي عسكري وسياسي فاشل.
لنستخلص من هذه التجارب الفاشلة، و التي ارتكزت على تدخل سلبي، دروسا سياسيّة، تقودنا الى استبدال التدخل السلبي بتدخل ايجابي يرتكز على دعم الدولة و دعم الشعب واحترام خياراته وتطلعاتهِ.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
زر الذهاب إلى الأعلى