لبنان ما بعد الانتخابات النيابية:ثلاثة استحقاقات رئاسية على “صفيح ساخن” لا وقت معها لهموم الناس(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز
انتهت الإنتخابات النيابية على خير ،وخاب أمل الداعين للويل والثبور وعظائم الأمور..لكن أزمات لبنان لم تنته،ولن تنتهي كما يأمل الطيبون والمتفائلون والحريصون على استقرار البلد.ثمة من لم يزل يحفر القبور في الداخل والخارج، وكأن سقوط الهيكل يطال فئة بعينها،ولا يقع على رؤوس الجميع.
أمام لبنان بعد الانتخابات ثلاثة استحقاقات يبدو أنها ستُخاض على صفيح ساخن ،لأن ثمة من يراهن على انقلابات يطمح إلى تحقيقها منذ عقود.صحيح أن شيئا ما قد تغير في تركيبة البرلمان الجديد ،لكن ما لم يتغير هو النكد السياسي والتخبط الأعمى الذي لم يفلح سابقا ولن يفلح مستقبلا في معالجة الإنهيار الذي مشى إليه البلد بخطى كارثية.وأخشى ما يُخشى أن يقود هذا النكد الى السقوط في الهاوية التي ما بعدها خلاص.
رئاسة مجلس النواب
في طليعة هذه الاستحقاقات انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب رئيسا ونائبا وأعضاء.وهذه العملية تكتسي هذه المرة طابعا مميزا جدا ،حيث يلقى التجديد للرئيس نبيه بري للمرة السابعة على التوالي مماحكات يعرف الجميع أن لا طائل منها سوى النكد وتسجيل النقاط ،باعتبار أن العرف السائد يقتضي أن يكون رئيس البرلمان من الطائفة الشيعية.ولما كان الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) يضم كل النواب الشيعة ال27 في المجلس ،فليس من منافس للرئيس بري ،وثمة إجماع على ترشيحه لهذا الموقع.
هذا في العرف ،أما في التشريع فتنص المادة 44 من الدستور على الآتي:
“في كل مرة يجدد المجلس انتخابه يجتمع برئاسة اكبر أعضائه سنا ويقوم العضوان الأصغر سنا بينهم بوظيفة أمين. ويعمد إلى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس كل منها على حدة بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين. وتبنى النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سنا يعد منتخبا.“
وتنص المادة الثانية من النظام الداخلي لمجلس النواب على:
“يجتمع مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً وبرئاسته لإنتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد إنتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته”.
بناء على ما تقدم ،ولأن ولاية مجلس النواب تبدأ يوم الأحد المقبل في 22 الجاري،وحيث أن الرئيس نبيه بري هو نفسه أكبر الأعضاء سنا في المجلس الجديد ،فإنه سيدعو إلى الجلسة الأولى خلال مهلة لا تتجاوز السادس من حزيران المقبل،لانتخاب الرئيس ونائبه وهيئة المكتب.وسوف تكون أمام القوى السياسية مهلة معقولة لترتيب سيناريو الجلسة والتوافق كالعادة على وقائعها.وهنا تبرز الخيارات والاحتمالات الآتية:
- في حال التفاهم يتم انتخاب الرئيس ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس بسلاسة وسلام كما كان يحصل سابقا.
- في حال عدم التفاهم سوف يفتتح الرئيس بري الجلسة بنصاب 65 نائبا وما فوق، ويعلن ترشحه للرئاسة، فيجري التصويت أولا وثانيا على أساس أن ينال الأكثرية المطلقة(65 ومافوق) وفي المرة الثالثة بالأكثرية النسبية من الحضور،وهي مؤمّنة.
- احتمال ثالث قد يظهر خلال الجلسة من خلال إعلان أحد النواب من غير الطائفة الشيعية ترشحه لمنافسة الرئيس بري ،وهي سابقة لم يشهدها تاريخ المجالس النيابية منذ الاستقلال ،لكنها تجوز دستوريا وقانونيا.وعلى هذا الأساس يجري التصويت ،وتكون الغلبة في النهاية لبري استنادا إلى تركيبة المجلس .لكن هذه الظاهرة تفتح أبوابا مغلقة على رئاستي الجمهورية والحكومة مستقبلا.
يبقى منصب نائب رئيس المجلس وهو بالعرف معقود للطائفة المسيحية الأرثوذكسية ،وهذا الموقع مرجح له أن ينعقد لأحد الكتل الكبيرة:كتلة التيار الوطني الحر ومرشحها الأبرز النائب الياس أبو صعب،وكتلة القوات اللبنانية ومرشحها النائب المنتخب غسان حاصباني ،وكتلة المستقلين ويجري التداول باسم النائب المنتخب ملحم خلف.
وقد استبق رئيس القوات سمير جعجع الجلسة بالإعلان عن أن كتلته لن تنتخب الرئيس بري ، ما يعني استبعاد انتخاب حاصباني لهذا الموقع،على الرغم من قرار القوات ترشيحه للمنصب .كما أعلن خلف أنه ليس مرشحا للموقع ،ما يرجح انتخاب أبو صعب سواء أيد التيار الحر انتخاب الرئيس بري أم لم يؤيد،أو ترك لأعضائه حرية القرار.
في الخلاصة سيتم التجديد للرئيس بري رئيسا للمجلس ولو بالأكثرية النسبية، وحتى ب33 صوتا ،مع العلم أن المؤيدين لانتخابه يتجاوزون الخمسين ،بين الثنائي الشيعي وحلفائه واللقاء الديمقراطي وعدد من المستقلين.
رئاسة الحكومة
غير أن الاستحقاق الثاني سيبدو أكثر تعقيدا،وهو اختيار رئيس الحكومة المقبلة ،حيث تعتبر الحكومة الحالية مستقيلة عند منتصف ليل السبت الأحد المقبل،مع بدء ولاية مجلس النواب بموجب المادة 69 من الدستور .
وفي حين لم تبدأ المداولات الجدية لاختيار رئيس الحكومة العتيد ،راحت تتردد في الأوساط السياسية أسماء مرشحة لهذا المنصب الحيوي.ومن بين هذه الأسماء الرئيس نجيب ميقاتي ،والنائب المنتخب عبد الرحمن البزري ،والسفير نواف سلام ،والنائب المنتخب أشرف ريفي.
غير أن كل هذه الأسماء لا تحظى بالإجماع ولا بالأكثرية، وإن كان البزري أكثرها مقبولية.وعليه سوف يتمهل رئيس الجمهورية في الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة ،بانتظار انتخاب رئيس مجلس النواب أولا،وثانيا في محاولة للتوافق على رئيس للحكومة يحظى بأغلبية معقولة.
إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في تشكيل الحكومة نفسها في ظل جموح بعض القوى السياسية والنيابية الوازنة نحو رفض حكومة وحدة وطنية،ما يعني الدخول في حالة من الجمود شهدها لبنان في العقدين الماضيين أكثر من مرة ،وقد يفضي الصراع السياسي والحالة هذه إلى استمرار حكومة تصريف الأعمال في إدارة البلد بصلاحيات محدودة.
ووجه الخطورة هنا أن يصل لبنان الى موعد انتخاب رئيس الجمهورية وانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في آخر تشرين الأول المقبل ،مع حكومة تصريف أعمال،وتعذر انتخاب الرئيس ،ما يؤدي الى فراغ خطير في إدارة الدولة.فالمادة 62 من الدستور تنص على الآتي: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزرء”.وعليه لا تستطيع حكومة تصريف أعمال القيام مقام رئيس الجمهورية.
رئاسة الجمهورية
في 31 تشرين الأول المقبل تنتهي ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وتنص المادة 73من الستور على:
“قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس”.
وعليه يفترض برئيس مجلس النواب الدعوة الى انتخاب رئيس الجمهورية بين أول أيلول ونهايته ،وإلا يجتمع المجلس حكما في 21 أيلول لانتخاب الرئيس.
قبل العام 2016 دعا رئيس المجلس عشرا ت المرات لانتخاب رئيس الجمهورية ،لكن النصاب(ثلثا أعضاء المجلس) لم يكتمل ،إلى أن انعقدت التسوية على انتخاب العماد ميشال عون بعد سنتين من الفراغ الرئاسي.
على أن الصراع الحقيقي على رئاسة الجمهورية ،إذا ما سارت الأمور على خير ما يرام مجلسا وحكومة،يبقى في الشخصية المارونية التي ستتولى هذا المنصب،من بين ثلاثة مرشحين يجري تداول أسمائهم منذ فترة طويلة:سليمان فرنجية ،جبران باسيل وسمير جعجع.
قبل الانتخابات كان الصراع على أشده بين المرشحين الثلاثة.بعد الانتخابات سوف يشتد الصراع أكثر .لن يعطي أي منهم مشروعية للآخر.لن يغطي كل اثنين منهم الثالث.وفي ظل التركيبة الجديدة لمجلس النواب يُخشى أن يتكرر مشهد فقدان النصاب،مرة ومرتين وثلاث وعشرة ،إلى أن تُكتب للرئيس الجديد تسوية جديدة قد لا يكون أحد الشخصيات الثلاث صاحب الحظ.وعندها قد ترسو التسوية على شخصية رابعة بات أسمها متداولا بشدة ،ويحظى بدعم داخلي وخارجي ،بحيث يكون قائد الجيش اللبناني للمرة الرابعة رئيسا في قصر بعبدا.
في الخلاصة،
أمام لبنان بضعة أشهر صعبة على المستوى السياسي ،يُخشى أن تنعكس مزيدا من الإنهيار الاقتصادي والمعيشي،وقد بدأت ملامحه تدهورا في سعر العملة اللبنانية وارتفاعا في أسعار المحروقات والمواد الغذائية وطوابير على الأفران.وفي ظل هذا الواقع السياسي قد لا تجد المؤسسات الشرعية رئاسة ومجلسا وحكومة الوقت اللازم حتى نهاية السنة لمتابعة ومعالجة هموم الناس.