رأيسياسةمحليات لبنانية

لبنان في مشرحة الحقائق المرة : إنقسام بين الدولة المشوّهة والعجز(علي يوسف)

 

كتب علي يوسف – الحوار نيوز

ما اكتبه سيكون صادما إلى حد ما، الا ان الحقيقة يجب ان تقال، ليس من منطلق  القاء المسؤولية ،ولا من منطلق تسجيل الملاحظات،بل من منطلق ضرورة  وقفة حقيقية مع الذات واجراء مراجعة تعيد تصويب الامور ..

 

   هناك سؤالان بديهيان  يجب وضعهما على مشرحة الصراحة :

الاول :لماذا غيّرت القوات اللبنانية بقيادة الراحل بشير الجميل شعارها من “أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار” الى شعار “ال ١٠٤٥٢ كلم مربع” بعد فوز الجميل بمنصب رئاسة الجمهورية؟ ولماذا يلجأ  المسيحيّون الى طرح  مشاريع التقسيم او على الاقل الفدرالية او اللامركزية الموسعة التي تفوق اللامركزية الادارية ،وبمثابة فدرالية “مقنّعة” غير استفزازية في محاولة  التذاكي بالايجابية للوصول الى واقع انفصالي كأمر واقع كما يحلو لجبران باسيل ان يصفه؟

والثاني : هو لماذا يستمر المسلمون على اختلاف مذاهبهم في محاولات استرضاء المسيحيين ،إن عبر “وقف العد” او الاصرار على  ما يُسمّى الشراكة  والمناصفة حتى في المراتب الدنيا للوظيفة وخلافا لاتفاق الطائف، وكذلك الاصرار على الحوار والتوافق  وتبادل الثلث المعطل مهما كانت موازين القوى ؟

 

لا شك أن الاجابة على هذين السؤالين هي مفتاح  فهم اسباب واقع التردي التكويني  للبنان كدولة وكنظام  وأنطمة  متفرعة وحتى كفكر وكثقافة مشوّهين ..!

   

يعتقد المسيحيون اعتقادا راسخا ان لبنان  أُنشىء لهم  وان من دونهم لا حاجة لوجود لبنان ، ويشاركهم المسلمون هذا الاعتقاد فيرتضونه في العمق ويتمردون عليه  شكلا على اعتبار ان هذا نتاج استعماري.

 لقد  تم تركيب كيان لبنان الكبير على انقاض المشروع الصهيوني المسيحي اللبناني الذي  كان مشروعا استعماريا فرنسيا، واجهضه الانكليزلمصلحة المشروع الصهيوني اليهودي في فلسطين عبر وعد بلفورد ..   وتم التوافق الفرنسي الانكليزي على ضم مناطق اسلامية (الاطراف) الى لبنان المسيحي  مع الحفاظ على الغلبة العددية المسيحية، وتعزيز هذه الغلبة بتمكين المسيحيين من الامساك بالاقتصاد وبالقطاعات الاقتصادية ، وكالات تجارية و مصارف وصناعة وزراعة وسياحة  وانظمة اقتصادية وادارات دولة تعزز هذه السيطرة ،وبحيث يكون العمل الايجابي الوحيد للمسلمين هو حماية هذا الكيان من محيطه الاسلامي بمبررانه انموذج خاص لحوار وتلاقي وتعايش حضارات مختلفة ،وبحيث يمكن ان يشكل هذا الكيان موقعا غربيا يمكن من خلاله اختراق المحيط الاسلامي وتمرير مشاريع السيطرة الغربية الناعمة على أنواعها ..

وانطلاقا من ذلك احس المسلمون من البداية ورغم المشاركة الشكلية السنّية للموارنة في السلطة التنفيذية بأنهم ملحقون او رعايا في الدولة  المسيحية المارونية…

 وهكذا امسكت البورجوازية المارونية بالسلطة واضفت حداثة شكلية على الانموذج اللبناني نتيجة ارتباطها بالغرب المتقدم، على الرغم من انها لم  تستطع الخروج عن التشكيلات العائلية في مؤسساتها السياسية والاقتصادية، فحكمت عائلات احزابا سياسية ،وامتلكت عائلات المؤسسات الاقتصادية على انواعها المصرفية والصناعية خصوصا ..

 و لم  تستطع الاقطاعية  البورجوازية  الاسلامية مواكبة البورجوازية العائلية المارونية، نتيجة انهيار مرجعيتها العثمانية ذات الطابع المحافظ  ،ونتيجة  تركيبتها الاقطاعية واقتصار اهتمامها بالاقتصاد الريعي القائم على الزبائنية واسترضاء السلطة واستعطاء مكرماتها سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا …

وانطلاقا من ذلك تولدت عند المسلمين مجموعة من الافكار الدونية تجاه المسيحيين ،تقوم على ان لبنان الذي ينعمون بنكهته الخاصة في محيطه،ما كان ليكون  لولا المسيحيين، وان  الحداثة صنع مسيحي، وان التطور صناعة مسيحية وان السياحة صناعة مسيحية ،وان فن الحياة اللبنانية هو مسيحي، فكان من الصعوبة ان ترى فنانا لبنانيا غير مسيحي الا ما ندر، حتى النظافة كانت امتيازا مسيحيا !

ادى كل ذلك  الى ترسخ افكار عند المسيحيين انهم هم لبنان وهم اللبنانيون ،وان لبنان لهم وانهم وحدهم يملكون مشروع الدولة ،وان المسلمين لا يعرفون  بناء دولة او انظمة او اقتصاد وان هناك فارقا حضاريا بينهم وبين المسلمين، ولذلك فالقيادة  هي حق لهم  ليكون لبنان بلدا ممتعا للعيش بنموذج الشكل الغربي الحضاري ،وانهم هم  ليسوا عربا “متخلفين ” وان كانوا وافقوا على مساومة اضطرارية في اتفاق  الطائف على اعتبار لبنان ذا وجه عربي !؟

ولذلك هم يستعملون ،عندما يرفضون طرحا من فئة إسلامية، تعبير”ان  اللبنانيين يرفضون هذا الطرح “،على اعتبار انهم هم اللبنانيون الاصيلون ،بغض النظرعن معرفتهم بأن عدد المسيحيين في لبنان بات اقل من ٢٥ في المئة من الشعب اللبناني !!

ولا تقتصر هذه النظرة على المسيحيين. فالحقيقة ان  معظم المسلمين يشاطرون المسيحيين هذا الاعتقاد ، بغض النظر عن رفضهم الشكلي له، إما من منطلق التعصب الطائفي او من منطلق  العداء الفكري حول موضوع العروبة   .. الا ان هذه النظرة موجودة في العمق وتشكل منطلقا لردود الفعل والسياسات الاسلامية …!!

وانطلاقا من ذلك نرى انه في كل الصراعات الدورية الناتجة عن التركيبة الهشة للكيان والبعيدة كل البعد عن المرتكزات الضرورية لبناء وطن،تنقسم الطروحات  في اتجاهين :

بالنسبة للبورجوازية المسيحية عندما تكون الغلبة للمسيحيين،ولأن  مشروعهم هو دولتهم ،تأتي الطروحات المسيحية على مساحة كامل الوطن .. وعندما تكون الغلبة لمصلحة المسلمين ترتفع طروحات التقسيم او الفدرلة المباشرة او المقنّعة .وعندما يضطرون للمساومة يرتفع الصراخ بالغبن رغم انهم يمسكون بأعلى اغلب مواقع السلطة وبالقطاعات الاقتصادية التي ساهموا وشجعوا على انهيارها  ظنا منهم ان هذا سيسقط المشروع التحرري الاسلامي المقاوم للمشروع الغربي الصهيوني في المنطقة وسيعطي مبررا ،إما لخضوع المسلمين او للعودة لمشروع الفدرالية ….

اما بالنسبة للمسلمين عموما ولأنهم لا يملكون الوعي بقدرتهم على بناء دولة مواطنة لكل اللبنانيين .فعندما يكونون في الموقع الاضعف يطالبون بالمشاركة، والمطالبة طبعا تختزن الدونية كونها تطالب “صاحب القرار”……وعندما يكونون في الموقع الاقوى في التوازن  تعود لتظهر دونيتهم وعدم الثقة بقدرتهم على بناء وطن،من دون “اصحاب الخبرة المسيحيين ” فيرفعون شعار التوافق والدعوة للتوافق والاعلان المتكرر عن عدم الخروج عن العباءة الغربية ،كما حصل مؤخّرا في التعاقد مع “توتال” لإرضاء المسيحيين ويتحملون صبر الذل ولا يُقدمون على الخيارات التي تجعلهم طليعة رائدة تقنع المسيحيين عمليا ،بقدرتهم على بناء وطن ،وتنهي تاريخا من التشوهات الفكرية التي تحولت الى ما يشبه ثقافة مشوهة  تضع لبنان دائما  في دائرة الأهداف التي وضعتها  اتفاقية “سايكس بيكو” لكيان يحمل في بنائه عناصر تفجره التي يملك الغرب مفتاحها .

للاسف نحن في حالة انقسام طائفي اساسي مع تناقضات ثانوية  .. في الإنقسام الاساسي  نحن امام قوى مسيحية تعتبر زورا ان دولتهم المشوّهة مشروع وطن وامام قوى اسلامية تخاف ان تعبر عن عجزها على وضع مشروع بناء وطن، فتدعو لتوافق تكرارالازمات ولو بتنازل  استراتيجي شكلي للأسف!

 

هذا ما يحدث في بلد يفتقد الى مثقفين، في بلد توزع مثقفوه بين بيع خبراتهم لمن يدفع اكثر، وبين من سلختهم رومانسية اغترابهم الفكري عن واقع مجتمعهم، فتحولوا الى شتامين لشعبهم ووصفه بالجهالة، بدل اخذ دورهم في قيادته الى مشروع وطن،وبين من خانته الشجاعة فأُصيب باليأس وتحوّل الى شاكٍ يومي “نقّاق” !

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى