لبنان في فم الموت(د.نسيم الخوري)
بقلم د. نسيم الخوري – خاص الحوار نيوز
كان لبنان وطنا أو طنينا في الأرجاء الصحراوية، وصار شيئا آخر غريبا عجيبا هجينا ساقطا في فم الموت. كانت السلطات فيه أحلاما مستوردة منتظرة واصبحت من يوم لآخر سلسلة انهيارات وانقسامات اهترأت عبرها الأحوال والأجيال لتصبح بقايا وطن مشلع في رياح الأرض.
كنا أمام فرضية انتظار انهيار السلطات التقليدية تاريخياً، وأصبحنا أمام فرضية انهيار بل تتبع مشاهد تبعثر لبنان وسقوط مواطنيه مثل لعب مهشمة ومهملة لبنانيا وإقليمياً ودولياً ملفوفة بالحيرة وضياع مستقبلها ومستقبل أجيالها واحفادها.
وبين “كان” و”أصبح” مسافات وجرائم وخرائب وقتلى وقحط وجهل سياسي وتآمر متعفن في فهم الماضي والحاضر والمستقبل، لكنّها مسافات جعلت لبنان تجويفة وطن كأنه الديك المذبوح قبل حشوه بشعبه وطرحه في طنجرة ضغط فوق النار لكنه غير صالح للأكل .
لم يكن يخطر في بال مجنون أنّهم سيرمون بنادول بقايانا في فقر وجوع وخوف وهجران ، ويزرعون فينا رعباً أبديا حتى قبل الإمساك بالأقلام للحاق بوحشيتهم من نقصٍ إلى نقضٍ جديد؟
صار الحبر اسود اسود في لبنان.
هكذا ما زالت تتزاحم مقولات وحروب الحذف والإلغاء وادّعاءات التجديد والتطوير والثورة والتغيير والأكاذيب والفشل الديمقراطي . ويتصور هؤلاء أنفسهم وفي مقدمهم غالبية الشعب اللبناني، أحياناً، أنهم أسرى فرضيّات ووعود وخطب ومقابلات إعلامية نظرية تثبت نفسها باكتشافات وحلول متيسّرة للجميع، وهي ليست بحاجة مطلقاً إلى أبحاث وجهود وتصويب ونقد لإثباتها لأنّ الخبرة في السياسة اللبنانية الهرمة تتقدم على المواقف المجبولة بالسرقات والجرائم ومناكفة الطوائف ولي الرقاب والوطن للغرباء لتركيا وفرنسا وسوريا وايران واسرائيل وعواصم العرب والعالم حتى تفريغ الوطن من شبابه وشاباته.
نعم شبابه وشاباته الذين أفنوا أعمارهم في وطنهم الذي يلفظهم رفوفاً مهيضة الأجنحة نحو المطارات، ولا مانع من إيقافهم وتقريعهم بارتجالات رجال الأمن القاسية، وفي هذا وجه أساسي، ربما، من وجوه الريادة في سلخ جلود الشعوب، كما في صعوبة انتفاء الصلة المتنامية في لبنان بين اليوم وأمس.
فليقرأوا: تعتمد حركة الشابات والشباب الإقامة في عالم “الأون لاين” لا يعنيهم كلمة زعماء وسحناتهم . ينبذونهم ولا يعنون لهم شيئاً في سياق الحاضر أو المستقبل، لأنهم، وقد عشنا ونعيش معهم في الجامعات هم من فصائل الفئران المُشرقة أبداً ذكاء ويتجاوزوننا تفكيراً وتعبيراً مختصراً، وخصوصاً عندما تُطرح عليهم مسائل خاصة بتاريخ بلدهم لبنان أو بسلوك زعمائهم الطائفيين البليدين التقليديين.
تشعر نفسك أمام أجيالٍ تعلمها وتخرّجها وتُغادر فجراً، وكأنهم ولدوا في رحم وطنٍ ليس في حاضرهم ومستقبلهم ولا في أحلامهم.
هم صبايا وشباب يولدون في عالم متشعب من الأبحاث المقننة الدقيقة والدراسات والفرضيات والتجارب التي تسبقها دائماً. كان يمكن لأساتذتهم استيعابها أو فهم مدى تعقيداتها أو أسرارها، لكن وسائل الاتصال رذلتنا وقطعت أمام أجيالنا أشواطاً تاريخية كبرى في وعي وظائفها العائلية والاجتماعية والانسانية والكونية وقدراتهم المعرفية المعقدة الحقيقية والتي تفوق أي وصف أو فرضية لتأكيد هذه المقدرات أو إثبات نجاحها ونتائجها.
كم يلفتنا هنا أن تُصبح فروع جامعة السوربون والجامعات الأميركية وغيرها من الجامعات العالمية منتشرة في دبي وأبو ظبي وعواصم الخليج ،بينما يُحزنني كيف ترهّلت الجامعة الأميركية واليسوعية والجامعة الوطنية في لبنان المجانين وبات الأستاذ الجامعي يتوسل موظف مصرف او عاملا على محطة بنزين أو أو…… أرى أساتذة الجامعات في لبنان بالآلاف متظاهرين يفترشون أرصفة لبنان متعاقدين ومتفرغين ومتقاعدين أمام المقار المسماة رسمية بحثاً عن رواتبهم للإستمرار في تأمين الخبز لأولادهم أو المستقبل لأحفادهم.
كنا وأصبحنا وقد نبقى طويلاً أمام أجيالٍ هرمة قميئة من سياسيين ينتظرون بوقاحاتٍ لا توصف بالعربية أو في أية لغةٍ أخرى مساعدات العرب والفرس والعالم لهم، وكأنّ في ذلك فروضا وواجبات من الغير تكريماً لفشلهم وتخريب وطنهم، وهم باقون أبدًا يبشرون بالحروب والإنفجارات فيلتحقون بعائلاتهم وأبنائهم وأحفادهم بطائراتهم الخاصة عند اي خطر نحو قصورهم المسروقة أثمانها في أرقى الأحياء من عواصم العالم.