لبنان … في عين الفوّهة ! ..
حيّان سليم حيدر
}في 22 أيار 2013 تمّ تسليم هذه الرسالة الى كلّ من رئيسي السلطة التنفيذية وأحد الوزراء من موقع الإحساس بالمسؤولية، ولم يحصل أيّ شيء، من النوع المطلوب. للتاريخ، وتلبية لطلب البعض، وعلى ضوء السجالات السياسية والشعبية والإختصاصية الحاصلة، رأيت أن أنشرها توضيحًا لبعض الأمور التي يبدو أن المسؤولين المباشرين عن الوضع القائم قد تفاجأوا بها، .. والله أعلم.{
___________ ____________
يقع لبنان منذ إنشاء ما يسمى بدولة " إسرائيل " على فوّهة بركان أو في عين الإعصار، سمّها ما شئت وكيفما أراد وصف الوضع القائم المؤرّخون والمحلّلون والمتابعون السياسيّون والإقتصاديون.
ولقد أصبح لبنان الآن، برأيي المتواضع (جدًّا)، بين فكّي حالين مصيريّين كارثيّين، أحدهما سيّء ويشكّل السندان، والثاني سيّء للغاية، ويكوّن المطرقة.
والحالة الأولى تتمثل في أنّ هناك حرب عالمية (ثالثة، إمتدادًا لحروب أفغانستان والعراق وغيرها) تدور رحاها في المنطقة بالواسطة وبإطلالة الأساطيل الروسية والأميركية التي وصلت الى شرق المتوسط، وكلّ من الفريقين ممّن ينضوي تحت لوائهما من إيران وسوريا من جهة والصهاينة و "حلفائهم" من أنظمة والمضلّلين (بفتح وكسر اللام معًا) من منظومات وغيرها من جهة ثانية. وتتجسّد هذه الحرب على أرض سوريا ولبنان بالمواجهة المباشرة فيما بين المقاومة من جهة والتكفيريّين الوافدين للقتال من دون أهداف إستراتيجية أو مبادىء محدّدة أو إستنادًا الى أيّ خلفية فلسفية – عقائدية – دينية مقنعة والتي طالما أسّست لثورات الشعوب وواكبتها، من جهة ثانية، ومن دون أن ننسى العدو الصهيوني المتربّص دائمًا على الحدود وفي الأجواء.
وهذه الحال تنذر بأوخم النتائج. ومن دون الغوص في التنظير والتحليل الإستراتيجي أو التكتيكي أو الظرفي، يجب النظر الى النتائج المحليّة المحتملة (جدًّا) كون لبنان يقع على فالق خط النار المباشر فيما بين جميع الإتجاهات المتصارعة، هذا ناهيكم عن أنّه هو مصدر لخطوط نار آتية، لا محال، في حال تفاقُم الوضع وإحتدامه.
هذه الوقائع تحتّم على الدولة، (أو ما تبقّى منها)، أن تضع، لنفسها أولًا، إستراتيجية لمواجهة نشوب أحداث كبرى وبالتالي تداعيات هكذا حرب، بعدما يقتنع اللبنانيون بأنّه لا جدوى من مطالبة البعض، ولأغراض باتت معروفة، بالإبتعاد عن التورّط في حروب الغير أو حرب عالمية إلخ …، لأن قرار الحرب والسلم ليس هنا في لبنان والأكيد أنّه ليس بيد اللبنانيين. وثانيًا، على الدولة أن تجنّد، حذرًا، إمكانياتها، كلّ إمكاناتها المتاحة، في الإدارات العامة الأمنية منها والمالية والإغاثة وغيرها، في إتجاه طوارىء الحرب، بما تتضمّنه هكذا خطة من تحديد وظائف "الطوارىء" و"الوقاية" لكلّ من الإدارات والمسؤولين وصلاحياتهم وترصد لها ولهم الأموال المطلوبة والعدّة والعديد وآليات العمل وكلّ ما يتصل بها من إجراءات تنفيذية.
أما الحالة الثانية، فتكمن بكون لبنان بات على تخوم أن يصبح، وبالتالي يُعلَن، " دولة فاشلة "، ونقول فاشلة هنا بالمعنى القانوني الدولي للمصطلح. وبهذه المعايير، يُعلَن عن دولة ما أنها أصبحت "فاشلة " إذا ما فشلت في تأمين أحد العناصر التالية (أو جميعها). أولًا: أن تفشل في تأمين الأمن للناس، وثانيًا: أن تفقد شرعيّتها أمام شعبها، وثالثًا: أن تفشل في تأمين حاجيات الناس المادية والمالية وبالتالي المعيشية. ومن الواضح أن الدولة تفشل في تأمين كلّ هذه العناصر الأساسية.
وفي هذا المجال، يمكن القول أن اللبنانيين ليسوا آمنين، ممّا نشهده في جميع المناطق من إضطرابات وإرتكابات وإرهاصاتها عند الناس والجماعات كافة وفي كلّ الإتجاهات، وهذا من العناصر التي تشكّل فشل الدولة.
ومؤسّسات الدولة اللبنانية الدستورية تكاد تفقد شرعيّتها قريبًا جدًا، من مجلس الوزراء ومجلس النواب ( إذ أن التمديد يُعتبر غير دستوري وغير شرعي أيضًا ) ومن ورائها سائر المؤسّسات الأمنية والإدارية وغيرها. وهذا عنصر ثاني من عناصر فشل الدولة.
ومن نتائج ما ورد آنفًا، فإن مالية الدولة اللبنانية ستواجه حتمًا حرجًا كبيرًا لا بل مأزقًا في إمكانية تأمين إحتياجات اللبنانيين قريبًا، بدءًا من رواتب الموظفين وتعويضات المتقاعدين وسائر مصاريف الدولة. ونذكّر الذين يتباهون بأن إحتياطي المصارف اللبنانية قد تجاوز 180 مليار دولار أميركي، أن هذه هي أموال الناس وليست أموال الدولة وأنها ستهرب الى الخارج في أول لحظات الإضطراب، والأهمّ أن دين الدولة قد تجاوز مبلغ 60 مليار دولار وأن العجز بات يفوق 170 % من الدخل القومي وهو الأعلى وبالتالي الأسوأ في العالم، وأن هذه الوقائع أصبحت مؤكّدة بدليل تخفيض تصنيف لبنان، (الإئتماني والسيادي)، مؤخّرًا. فأي تصنيف " فاشل" للبنان سيشكل دعوة عاجلة للإستثمارات الخارجية "للهجرة" من لبنان، وسينتج عنه حكمًا تخفيض لتصنيف المصارف اللبنانية مع كلّ ما يلي ذلك من إنهيارات، عادة ما تتبعها. ويجدر التذكير أن دولة قبرص كادت أن تصنّف دولة "فاشلة" مؤخّرًا للسبب الثالث حصرًا لولا تدخّل الإتحاد الأوروبي لإنقاذ ماليّتها لكونها جزء من مجموعة عملة اليورو في سوقها المشتركة.
هذا الواقع المقلق جدًّا جدًّا، يتطلّب العمل على إعادة بثّ الحياة في مؤسّسات الدولة، وليس إغفالها وتهميشها كما يجري الآن، وفي مقدّمها مجلس الوزراء ومن ثمّ مجلس النواب، وإلاّ دخل لبنان، قريبًا جدّا، في وكر أوخم العواقب.
هذا رأي لا يبتغي المناكفة مع أحد، لا مع 8 ولا مع 14، بل هو نابع من قراءة سريعة لمالية الدولة ولإنكشاف المصارف على تمويل دين الدولة وإحتياجاتها.(1)
أما إذا لم يحدث أيّ من الإحتمالين الأول أو الثاني المتشائمين، فخير يكون. ونكون قد شددنا أزر الجميع وفي طليعتهم المؤسّسات الدستورية والإدارية ونكون قد ساهمنا في ضبط سياسة الإنفاق من جهة وتوجيه الموارد وأمكانيات البلاد والعباد في الإتجاه الصحّ، من جهة ثانية، وأخيرًا نكون قد جمعنا اللبنانيين حول مؤسّسات الدولة لتصبح "فاعلة".
وهذا، بحدّ ذاته، إنجاز في ظلّ (وقد يصلح القول في ذلّ) مهاترات سياسيّي البلاد العبثيّة والفارغة.
إن كلّ ما سبق يصدر، بكل بساطة وبراءة، من روح المواطنة المسؤولة.
بيروت، في 22/5/2013 حيّان سليم حيدر.
(1) لقد أضيف التسطير اليوم للدلالة على نباهة الإنذار في حينه.
(ملاحظة: ننشر هذا المقال كمقدمة لما سيلحق قريبًا جدًّا به من تفسير للخلفية/العقلية التي أوصلتنا الى ما نحن فيه)