لبنان على الطاولة: شريك مفاوض أم ملفّ للتفاوض؟
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتبت هيام القصيفي في صحيفة الأخبار تقول:
تؤشّر حركة الموفدين إلى بيروت إلى أن لبنان دخل مجدداً مرحلة حساسة تتعلق بتداعيات حرب غزة التي أعادت ربطه بالتفاوض الأكبر المتعلق بالمنطقة، لتصبح الخشية من أن يصبح ملفّه على طاولة التفاوض بدل أن يكون شريكاً مفاوضاً
صحيح أنه لم يُسجّل للسياسة الفرنسية في الآونة الأخيرة أي نجاح لها، لا في أفريقيا ولا في المشرق العربي، وأن حرب غزة الأخيرة كانت عثرة ديبلوماسية جديدة أُضيفت الى ما سبق. مع ذلك، فإن الرهان على تحرك باريس مجدداً حيال لبنان لا يتعلق بمبادرة في حد ذاتها. فالقطبة الأساسية التي يتمحور حولها التحرك الفرنسي أنه، هذه المرة، لا يدخل ضمن مبادرة رئاسية أو سياسية محددة، بل يتقاطع مع همّ أكبر تعبّر عنه عواصم معنية بالوضع اللبناني، يتعلق بمستقبل لبنان، ما يجعل الرئاسيات مفصلاً أساسياً فيها. مهما تكن النتيجة التي سترسو عليها حرب غزة، أصبح مستقبل لبنان مرتبطاً بما ستؤول إليه المفاوضات حولها. وهنا الكلام حول نقطتين متشابكتين: الأولى تتعلق بالقرار 1701. فثمة تأكيدات ورسائل خارجية بأن هذا القرار سيكون العنوان الأساسي في المرحلة المقبلة، بما يتعدى تجديداً للقرار بمعناه التقليدي الروتيني كما كانت عليه الحال بعد إقراره بسنوات. ما جرى منذ 7 تشرين الأول على الحدود الجنوبية، فتح الباب أمام مرحلة مغايرة تحمل في طياتها مطالب إسرائيلية وغربية بضرورة العودة الى القرار 1701، بكل مندرجاته، وبما يتعدّى عبارة وقف الأعمال القتالية. وليس المقصود هنا الوصول الى وقف النار عبر مفاوضات مستجدة، وإنما بتطبيق كامل وحرفي للقرار، بما يحمّل الدولة والجيش مسؤولية الالتزام به كاملاً، ولا سيما البنود المتعلقة بإخلاء منطقة جنوبي الليطاني من السلاح والمسلحين. وما أُبلغ إلى لبنان أن إسرائيل – ومعها عواصم غربية داعمة – لن تقبل – حتى لو سلكت الهدنة في غزة طريقاً طويلاً – إغفال إعادة إطلاق عملية تطبيق 1701 بحذافيره، واستمرار التعامل مع حدودها الشمالية بالمخاطر التي عرفتها منذ شهر ونصف شهر.
النقطة الثانية هي أن أي مفاوضات تتعلق بالقرار الدولي ستتلازم ضمناً مع الكلام حول مستقبل لبنان، ومن ستكون له الكلمة الفصل في المفاوضات التي تجرى إقليمياً. فحركة الموفدين بدأت جدياً العمل على ما يرسم للبنان من تطلّعات، لأن مرحلة ما بعد غزة ستترك تأثيراً مباشراً على ما يعدّ من سيناريوات تتعلق بالمناطق المحاذية لإسرائيل. ولا يقلّل الموفدون إياهم من خطورة انعكاس حرب غزة التي تتعدّى الأطر العسكرية بمفهومها العملاني، لتعيد طرح مستقبل الصراع بين إسرائيل من جهة وكل خصومها من جهة أخرى، بما في ذلك حزب الله حكماً. ولأن لبنان اعتاد أن يتلقى كل مفاعيل المتغيّرات في المنطقة منذ التسعينيات، من العراق الى سوريا، فلن يكون في مأمن مما سينبثق عن غزة. لذا، يأتي الحثّ الفرنسي من ضمن حركة أوسع لدفع لبنان ليكون أكثر فاعلية في الدخول الى عمق المفاوضات، كشريك مفاوض في ما يدور في المنطقة، لأن غيابه سيجعل منه ملفاً تفاوضياً بين القوى الإقليمية والدولية، من دون أن يمتلك أي تأثير على المسارات. ويتمحور الاهتمام الغربي، مع عواصم عربية، على تفعيل هذا الشق المهم الذي من شأنه أن ينتزع لبنان من أي مساومات قد تتم على حسابه. وتتزايد الخشية من أن تداعيات حرب غزة تترك مساراً مستجداً في الحالة الإقليمية، وهي بدأت بخطوات تدريجية، ويتوقع أن تستمر طويلاً على إيقاع متحرك يشمل دولاً عدة، لكل منها مصالحها.
رسائل خارجية تؤكد أن القرار 1701 سيكون العنوان الأساسي في المرحلة المقبلة
وفي ما يخص لبنان، فإن الملفات المتعلقة به ستظهر تباعاً. وفي هذا المجال، يُستعاد تلقائياً البحث في الرئاسيات، ومعها صفقة كاملة يمكن أن ترسو عليها بحسب ما تخلص إليه المستجدات التفاوضية. من هنا، ترتفع حدة التحذير الخارجي بضرورة التنبه إلى ما قد ترسمه الحرب الحالية، بدءاً من تجديد تنفيذ 1701 وصولاً الى ترجمة شكل التفاوض والمشاركين فيه، وكيف يمكن للبنان أن يصبح لاعباً فعلياً في أي قرار يتعلق بمستقبله. فتدهور الأوضاع اللبنانية على الصعد والمؤسسات كافةً، يجعل العمل على الملف الرئاسي الخطوة الأولى الأساسية في مواجهة الانهيار المتزايد الذي بات ذريعة في يد المفاوضين لإطلاق عملية كاملة حوله.
لكن المشكلة التي تعرفها فرنسا وغيرها من الدول العربية التي تهتم بالشأن اللبناني، أن الغياب اللبناني أصبح فاقعاً الى الحدّ الذي لم تثر فيه المخاوف التي ترافقت مع بدء حرب غزة، أي ردود فعل على قدر التحذيرات التي وصلت الى المسؤولين الرسميين والقيادات كافة ومن مختلف اتجاهاتها، الموالية لحزب الله والمعارضة له. ولأن لا حركة داخلية توازي مستوى الخطر الداهم والخوف من تكرار التاريخ نفسه كما في محطات سابقة، فإن فرنسا وعواصم عربية تحاول مجدداً إعادة لبنان الى دائرة الاهتمام، مع اعترافها المسبق بأنها لا تعوّل على كون القيادات اللبنانية على قدر المسؤولية في مواجهة ما يقبل عليه لبنان.