لبنان بين زلزالين:كلما داويت جرحا سال جرح
محمد هاني شقير -الحوارنيوز خاص
بين ١٤ شباط ٢٠٠٥ و ٤ آب ٢٠٢٠، خمسة عشر عامًا من الاضطرابات السياسية والأمنية التي هبت على لبنان بشكل عواصفي كبير، تخللتها توافقات سياسية كبيرة برعايات عربية وأجنبية مختلفة مسبوقةً بمهاترات بين جميع أركان السلطة في لبنان.
في عودةٍ بالذاكرة الى لحظات دوي إنفجار السان جورج الذي استهدف موكب الرئيس رفيق الحريري، فقد شعر كل سكان العاصمة وضواحيها بقوة الإنفجار الكبير الذي عطل عقول الخبراء العسكريين عن فهم ما حدث، وهو أمر ما زال مبهمًا حتى يومنا هذا. وفي يومنا هذا بالذات وقبل ثلاثة أيام من حكم غرفة الدرجة الأولى ١ لدى المحكمة الخاصة، هز بيروت ولبنان إنفجار كبير لم يشهد لبنان مثيلاً له، وقد تحدثت المعلومات الاولية عن انفجار في العنبر رقم ١٢ نتيجة تخزين غير علمي لمواد شديدة الإنفجار. وفي معطيات أخرى فإن فرضية تعرض المرفأ لصاروخ ليست مستبعدة، لا سيما وأن رقعة الأضرار التي تسبب بها الإنفجار طاولت منشآت على بعد أميال من مركز الإنفجار.
وجاء كلام المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من المرفأ واصفا الحديث عن مرفقعات بأنه مثير للسخرية ،فلا مرفقعات انما مواد شديدة الانفجار ..ولا استطيع استباق التحقيقات".
في هذا الجو يأتي الحديث عن ٧ آب موعد الحكم الابتدائي في قضية الرئيس رفيق الحريري، حيث من المتوقع أن يكون الحكم عبارة عن استعادة للقرار الاتهامي للمحكمة الذي سبق أن سمى خمسة أشخاص لبنانيين ،وتمحورت جميع تحقيقات المحكمة الدولية حولهم، ولم تبذل أي جهد في أي إفتراضات أخرى محتملة. ويأتي حدث اليوم ليضع علامات استفهام كثيرة حول صدقية المعطيات التي بنت المحكمة الدولية فرضياتها عليها، وبالتحديد حيال طبيعة الإنفجار وما اذا كان شاحنة يقودها إنتحاري أو صاروخا موجها من الجو.وبانتظار نتيجة التحقيقات سوف يقال وينسج كلام كثير في هذا المجال مترافقا مع موعد الحكم من لاهاي على مبعدة يومين فقط.
وفي وقت يعيش اللبنانيون حالة من الترقب والحذر للحكم المنتظر، فإنهم ينسجون سيناريوهات مختلفة لما سيكون عليه لبنان بعد ٧ آب المقبل.
ففي حين يعتقد كثيرون أننا متجهون الى فوضى أمنية وسياسية واجتماعية، فإن آخرين يؤكدون أن زلزال إغتيال الرئيس الحريري لم يذهب بلبنان الى مطارح خارجة عن إرادة اللبنانيين، وبقيت الأمور ممسوكة ولم تخرج عن السيطرة، برغم من أنها مرت بمراحل مد وجزر كثيرة ومتقلبة. وهم يعتقدون أن قرار المحكمة لن تكون له ارتدادات أوسع من الجريمة نفسها، بل ستبقى محصورة في نطاق ضيق. غير أن أوساطاً سياسية مراقبة تقول أن اميركا والغرب ومن خلفهما إسرائيل سيحاولون بكل ما يستطيعون، أن يجيروا الحكم المنتظر لصالحهم بغية تضييق الخناق على حزب الله ووسمه بشكل نهائي بأنه " حزب ارهابي" ٠
في هذا الاطار تأتي اللقاءات الأمنية والسياسية التي يجريها الرئيس سعد الحريري، حيث عرض في "بيت الوسط"، الأوضاع الأمنية في البلاد والجهود التي تبذلها القوى الأمنية والعسكرية للحفاظ على الأمن والاستقرار في مختلف المناطق، والتقى لهذه الغاية قائد الجيش العماد جوزاف عون، يرافقه مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني منصور. ثم اجتمع بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، فالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، يرافقه رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود.
وتؤكد مصادر مقربة من بيت الوسط أن هذه اللقاءات تهدف بشكل أساس الى رفض الرئيس الحريري لأي محاولات من شأنها زعزعة الاستقرار الامني في البلاد، وأن الحكم الابتدائي للمحكمة الدولية في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري سيكون طريقًا لتحقيق العدالة وتبيانها وليس لأخذ ثأر من هنا أو من هناك، فلبنان هو أكبر من الجميع ولن نقبل بأخذه الى الفوضى ويكفي ما عاناه هذا الشعب من ويلات وأحداث وازمات.
إن ما بين ٤ آب ٢٠٢٠ و ١٤ شباط ٢٠٠٥، حدثين أو زلزالين، اولهما لم تسعفه السنوات الطوال وتضع حدًا لغموضه الذي ما زال مستمرًا حتى الحدث الثاني، في يومنا هذا، والذي يبدو أنه غير واضح المعالم،وربما يبقى هكذا الى وقتٍ طويل.وفيما يحاول لبنان مداواة جروحه المتعددة تسيل جروح أخرى مكلفة ،وينطبق عليها قول الشاعر:كلما داويت جرحا سال جرح!!