لبنان بين الحرب والسلم: معضلة السلاح والمقاومة (زينب إسماعيل)

زينب اسماعيل – الحوارنيوز- خاص
لا شك أن الحروب تُعدّ من أكثر الظواهر البشرية كلفة، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الاقتصادية، وهي تزداد وطأتها على من يجد نفسه في موقع الدفاع والمقاومة، إذ يتحمل تبعات المواجهة دون امتلاك رفاهية القرار أو التخطيط الهجومي. أما في المقابل، فالمهاجم غالبًا ما يكون مستعدًا لتحمل الخسائر، لما لديه من أهداف استراتيجية يسعى إلى تحقيقها، تعوّضه ما فقده وأكثر.
في سياق الصراع مع العدو الإسرائيلي، يجد لبنان نفسه في موقع المدافع، وبشكل خاص في الجنوب، حيث المواجهة مفتوحة منذ عقود طويلة. هذه الأرض التي لطالما كانت خط الدفاع الأول، دفع أبناؤها الثمن الأكبر من الدماء والدمار، وما زالت حتى اليوم تتحمل الأعباء الأكبر من أي منطقة لبنانية أخرى. شلل في الحركة الاقتصادية، انهيار في السياحة، ونزيف مستمر في الأرواح والممتلكات.
إن التعدد الطائفي والمذهبي في لبنان، وإن كان عنصر غنى ثقافي، إلا أنه غالبًا ما يتحوّل إلى عنصر ضعف في زمن الأزمات، ما يجعل من وحدة القرار الوطني أمرًا بالغ الصعوبة. وإذا نظرنا إلى الجنوب اللبناني باعتباره نقطة التماس الأولى مع الكيان الصهيوني، فإن الأغلبية الشيعية في هذه المنطقة تتحمل العبء الأكبر في الدفاع، وهو ما يضعهم في دائرة الاتهام زورًا بأنهم يسعون إلى جرّ لبنان إلى حروب لا طائل منها، فيما الواقع يؤكد أنهم يقفون سداً منيعاً لحماية الوطن كلّه.
التاريخ يثبت أن أهل الجنوب لم يكونوا وحدهم في ميدان المقاومة، فالشيوعيون والمقاومون من البقاع وبيروت وسواها شاركوا في التصدي للمشروع الصهيوني. إلا أن الجنوب، بطبيعته الجغرافية واحتكاكه المباشر مع الاحتلال، ظل في حال من المقاومة الدائمة منذ انطلاقة المشروع الصهيوني في فلسطين، مرورًا بكل الحروب والغزوات التي شنها الاحتلال.
وفي ظل التقدم التكنولوجي والعسكري الكبير الذي أحرزته إسرائيل، والدعم الغربي اللامحدود لها، تتعاظم الهوة بين الطرفين. لكن ما يزيد الوضع الداخلي تعقيدًا هو الإصرار الغربي على تجريد المقاومة من سلاحها، في وقت لا تملك فيه الدولة اللبنانية، ولا جيشها، القدرة الفعلية على حماية الحدود أو صد أي اعتداء.
من هنا، يبرز التساؤل المحوري: ما هو الخيار الأفضل للبنان؟
هل يتمسّك بسلاح المقاومة رغم الضغوطات، أم يسير في ركب التطبيع ويسلّم هذا السلاح على أمل سلام لا أحد يضمنه؟
الجواب ليس بسيطًا، فالإبقاء على السلاح قد يشكل ذريعة دائمة لإسرائيل لشنّ الاعتداءات، ويزيد من حدة التوتر الداخلي وربما يفتح الباب على صراعات داخلية، قد تكون مقدمة لحرب أهلية جديدة. وفي المقابل، تسليم السلاح يعني تجريد لبنان من آخر أوراق قوته الدفاعية، في ظل غياب أي ضمانات دولية حقيقية، أو قوة ردع داخلية قادرة على ملء الفراغ.
لذلك، وفي ظل انسداد الأفق، يبدو أن لبنان سيبقى مسرحًا للحرب في الحالتين. لكن، من الأفضل أن يُمسك اللبنانيون، وتحديدًا المقاومة، بزمام المبادرة، وأن يبقى السلاح في يد المدافع، لا أن يُسلَّم لبنان ومقدراته على طبق من فضة.



