د.نسيم الخوري – الحوارنيوز خاص
ماذا يفعل الرضيع أو أي بشري أعزل حيال طائرة بلا قائد مسيّرة بالريموت كونترول ومشحونة بالمتفجرات والقذائف والصواريخ المتعددة الجنسيات لتنصبّ فوق الأحياء والشعوب؟ يضربها بحجر أو يرمقها ببصر؟
السؤآل نفسه حيال ضابط يلتهم “البيغ ماك” في قمرته المبرّدة العاصفة بألحان أوبرا هايدن. ما الذي يجمع بين هاتين “اللعبتين” التي تجتمع فيها عقول الآباء والعلماء مع أطفالهم اللاهين بألعابهم الصغيرة المستنسخة للحروب أمام بيوتهم أو مدارسهم في عصر من الأوبئة الطائرة الماحقة ؟
ماذا سوى زرع الإعاقات وتبادل ألعاب التركيع والترويض من الفضاء، ومن خلف الشاشات والنصوص وتقوّص الفقرات لا تزرع سوى الخرائب والأحقاد والقبور لتتساوي لعبة الحياة بالموت ؟ هل هو قدر البشرية في فهم العدالة والإنصاف والسلام والمساواة والإنسانيات؟ أتتحوّل تهويلات الحروب الطائفية في لبني مثلاً الى أنماط اللذّة المتجددة المدسوسة في الأرحام حتى الأجنّة ومخيلات الأجيال والأحلام إلى ما شاء التاريخ؟
يتصوّر مهندسو المغالاة في قتل الشعوب وإبادتها وقصف الأحياء والمدن وإشاعة الكراهية أنهم يحقّقون ربّما أسطورة أنكيدو وغلغامش” البابلي قبل 5 آلاف عام. تحالف الأوّل مع الثاني حتّى ساواه في قوّته وبطشه لينشب قتال عنيف بينهما، كما يحصل في الغالب،ثمّ ارتبطا بصداقة قويّة تحطّمت بموت “أنكيدو” المأساوي. وطاف “غلغامش” باحثاً مسكيناً عن أسرار الخلود بعدما أفجعته صدمة الموت الذي كان ينساه وهو مدمّى في معركته مع صديقه.
ظهر الأمر المقلق عبر التواريخ في النص الديني اليهودي القديم الذي كرّس الفكر الوثني في سلوك درب الإيمان ليتجذّر في الشرق ويمتدّ بالقساوة الكبرى إلى الطهارة المسيحية بعدما صلب المسيح رمزاً للذبيحة الكبرى وكأنها تلك التي بها اكتفى الرب، مع أنّها لم تعتق البشرية من الإمعان في تقديم الذبائح المستمرة للتكفير عن ذنوبهم وخطاياهم وجنونهم. لكن العقيدة تحولت إلى العقائد المسيحية المتنوعة واستمرّ المسلمون أصحاب كلمة الله السماوية الثالثة كغيرهم في تقديم الذبائح وتبادلها وتخريب دنياهم تنقيباً وهميّاً عن القيم الكبرى والغفران، مع أنّ الإسلام تجاوز كلّ هذا الفكر للدعوة إلى المساواة وفجائع التنوع العقائدي لتمثل مسألة العدل والإنصاف محنة الفكر البشري وسلوكه الذي لم يدرك بعد معنى العدالة والإنصاف،وقبول الآخر كما هو تلمّساً للحضارة بمعناها الإنساني الإيجابي.
تُرى من هو “أنكيدو” ومن هو “غلغامش”؟
لا حاجة لأن يهرش القاريء رأسه أو يجهد بحثاً عن العقل والفكر والصراعات بين المسلمين أو بينهم وبين الدنيا، لأنّ الأسماء قد تتعادل أو تتشابه في زراعة القتل بين الدول كما لدى العابرين القلقين في أزمنة غير عابرة تمشي على مهل بل على رؤوس أصابعها الى درجةٍ مرّة تتعانق فيها الحياة بالموت لأن الوجه الآخر المظلم للحياة هو الغياب.
يصعب على لعبة الضاد القفز والتنقيب في هذا المحيط الفائر بشراسة الحروب الممعنة في مشاهد التخريب عن مشهد آخر كاذب بعيد أو قريب، وكأنّ أصحاب الولائم السياسية والاقتصادية غرباً وشرقاً يحيكون بالدماء والذبائح أرذل الثياب وأقسى الاستراتيجيات والصور عبر المجموعات المتنوعة التي يبقيها الإسلام بعظمته بين قوسين، ليظهروا (من هم هؤلاء ومن يستطع أن يرشدنا إليهم بموضوعية لا بالسياسة والنكاية ورمي التهم) الإسلام في المشاهد العالمية وعصر التواصل العظيم الوجهة القبلية الباقية التي تتجدّد باسم الدين وصراعات المسلمين. يسترسل هذا التوجّه واسعاً في بسط ولائمه الدموية المتجددة أمام عيون شعوب العالم الجائعة وشاشاتها وبرامجها مروّجاً للعنف والجنس المقيمين كيفما تطلّعت.إنه الجاذب في إغراءاته، لكنه الندبة العالمية المقرونة بسجّادة الصلاة ليعيشه الجميع ويراه أوهاماً فارغة من كل القيم حتى ولو بدا مشحوناً أو مبشراً بمستقبل قريب لليبرالية والعدالة وفضائل الجمهورية والحريات الفردية إلى كمّ من المصطلحات الفاشلة التي لم تستطع الشعوب تذوق معانيها. إنّها مصطلحات للإنقضاض على المجتمعات وشلّ تقدمها وتلاقحها، حتّى أن وارثو أصحابها من الكتاب والفلاسفة أو الأنظمة التي تروّج لها بإسم الحضارة، هم من فصائل أنكيدو وغلغامش وقايين وهابيل.
من يفسّر لأجيالنا إذن الفروقات بين الإنصاف والعدالة عندما نتكلّم أو نبشّر بالمساواة؟
والى متى يحصر الفكر الخبيث أو يخفي الإرهاب والتخلف بالإسلام والمسلمين ويجعلهم مساحة يسهّلون عبرها سياساتهم في التحريض والتفريق والإستعداء والإدّعاء بأنّ ثورات يجب أن تحصل بعد بعدما حققت(؟؟؟) المسيحية ثورتها خلال 300 عام من عصور التنوير؟
أضع هذا التفكير والسلوك الإجرامي المتجدد في مواقع معادية للأفكار والحضارات والوجه المشرق من الحياة في العالم .
زر الذهاب إلى الأعلى