لبنان الى اين بعد انفجاري المرفأ والحكومة ؟
قبل انفجار مرفأ بيروت سعت الحكومة الى رسم معالم خطة مالية تعتمد بشكل أساسي على إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية لتعويض الخسائر الضخمة التي تحققت في سجلات مصرف لبنان والتي يمكن ان تبلغ حوالي مايتي الف مليار ليرة لبنانية بعد تقييم الموحودات والمطلوبات وفقا" للأسعار الجارية التي تحتمها معايير المحاسبة الدولية .
كما عمدت الى إقرار التدقيق الجنائي في مصرف لبنان لأظهار كيف تحققت خسائر مصرف لبنان ومن استفاد منها ، وكيف تراكم الدين العام والذي يملك مصرف لبنان حوالي خمسون بالمئة منه ، وأين ذهبت ودائع الناس بالعملات الأجنبية وهل تم تحويل جزء منها خلال عام 2019 وعام 2020 الى الخارج ، ولمصلحة من تم تحويلها ، كلها أسئلة كان من المفترض على مكتب التدقيق الجنائي ان يجاوب عنها خلال فترة محددة لا يتجاوز مدتها الستة أشهر .
قبل الأستقالة أقرت الحكومة اللبنانية دعم السلة الغذائية عن طريق مصرف لبنان على سعر صرف المنصة ، أي 3900 ليرة لبنانية وهي تشمل كافة السلع الغذائية التي يحتاجها المواطن اللبناني في معيشته الأساسية ، هذا وإن كنا نعارض سياسة دعم السلع وندعم سياسة دعم العائلات مباشرة إلا انها كانت من المقرر ان تخفف من حدة ارتفاع الأسعار الكبيرة لهذه السلع .
كل هذه القرارات وإن كانت الحكومة ملزمة على متابعتها ولو كانت في مرحلة تصريف الأعمال إلا أن في لبنان دائما" الأمر مختلف ، فمن سيتابع هذه القرارات ؟ وهل الحكومة الجديدة ستتابع تنفيذ هذه السياسات والقرارات أم أن الطبقة السياسية ستطيح بها كلها؟
نعم الخسائر الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت كبيرة ولا يمكن تحديدها قبل تقييم ماهية الوضع الحالي وخاصة خسائر البنية التحتية لمرفأ بيروت ولا سيما الأرصفة وكاسر الموج والأحواض ، لأنها تمثل من حيث الكلفة أكثر من نصف كلفة إنشاء أي مرفأ ، لذلك نقول بأن أفضل وسيلة لتحديد هذه الخسائر هو طريقة تكلفة البديل ، وأفضل مثال على ذلك وأقرب مثال على ذلك هو مرفأ الدوحة الحديث النشأة والذي بلغت كلفته حوالي 7،2 مليار دولار ، كما لدينا مثال آخر وهو مرفأ طرطوس الذي تمت توسعته بكلفة 500 مليون دولار ، لذلك فالكلفة تتحدد بحسب حجم الخسائر في البنية التحتية التي نأمل أن تكون سليمة .
إذا" كيف نعيد بناء هذا المرفق الهام والذي لا يمكن الأستغناء عنه في الحياة الأقتصادية ؟
واضح ان التمويل الداخلي لأعادة بناء هذا المرفق هو أمر صعب وليس بهذه السهولة فالخزينة اللبنانية تعاني من عجز كبير في السيولة ، وإذا ما لجأت الحكومة اللبنانية الى هذا الخيار فإنها بالتأكيد ستلجأ الى مصرف لبنان لتمويل عملية البناء من خلال إحتياطي العملات الصعبة لديه ومن خلال طبع المزيد من النقد ، عندها سنكون أمام مشكلة تضخم كبيرة .
كما ان اللجوء الى الأسواق المالية أمر مستحيل خاصة بعد خروج لبنان من السوق المالي العالمي بعد تمنعه عن دفع سندات اليوروبوند .
يبقى خيار التمويل الذاتي BOT وهي سياسة تمويل المشاريع من خلال تلزيمها لشركات مباشرة لتقوم بالبناء والأستثمار لفترة محددة عبر تلزيمها بمناقصة عمومية شفافة ثم يتم إعادتها الى ملكية الدولة لاحقا" أو تخصيصها وطرح أسهم هذه الشركة في سوق بيروت المالية .
إن الطبقة السياسية بكل صراحة لن تقبل بالخيار الثالث لسبب أساسي ومهم ، ان الطبقة السياسية كانت تتقاسم مغانم المرفأ قبل الأنفجار الكبير وستحاول فرض إعادة إعماره أو عبر الأستدانة أو عبر التمويل الداخلي لتعيد سيطرتها على المرفأ ولتعيد توزيع مغانمه الكبيرة ، لذلك سنشهد تأخير كبير في عملية إعادة إعمار مرفأ بيروت وقد تطول الى سنين كثيرة .
هل يمكن ان تكون عملية إعمار المرفأ بداية فرصة فيما لو تنازلت الطبقة السياسية عن مغانمها فيه ؟
نعم يمكن أن نحول هذه الأزمة الى فرصة على الصعد كافة :
على الصعيد السياسي نستطيع ان نذهب نحو الأصلاح الكامل والشامل ، خاصة بعد الدعم الفرنسي الواضح لناحية اصلاح النظام السياسي ، وعلى اعتبار أن الأمور أصبحت واضحة بأن هذا النظام السياسي هو سبب كل الأزمات وهو مسبب أساسي لكل أنواع الفساد ، كان يمكن الأنطلاق منها نحو فرض الأصلاح السياسي ، أما لماذا الدعم الفرنسي هذه المرة نحو التغيير الحقيقي فهو لأن هذا النظام أصبح يشكل خطر على المنطقة كلها بسبب عدم استقراره وخاصة على أوروبا لناحية عدد اللاجئين فيه اضافة الى اللبنانيين الذين سيهاحرون حتما" نحو أوروبا إذا ما استمر الوضع على هذا الحال .
على الصعيد الأقتصادي نستطيع عبر تجربة تلزيم مرفأ بيروت بطريقة شفافة وصحيحة وبطريقة لا تكلف الدولة اللبنانية فلسا" واحدا" ، نستطيع ان نصنع تجربة جديدة في طرق التلزيم ويمكن ان تكون انطلاقة لمشاريع جديدة كسكة الحديد ، ونفق البقاع ، ومترو بيروت ، كل هذا يمكن ان يوسع المساحة الأقتصادية بشكل كبير وبالتالي زيادة النمو والناتج القومي .
لكن اليوم وفي ظل لا حكومة وفي ظل كورونا وفي ظل خلاف سياسي عميق بين الفرقاء اللبنانيين كيف يمكن تحقيق ذلك ، وكيف يمكن أن نرسم خطط إستراتيجية في ظل تقاذف المسؤوليات .
كل ما يمكن أن نقوله هو أنه لا حكومة في القريب المنظور ، وأي حكومة قادمة ستكون مهمتها التحضير لأنتخابات مجلس النواب عام 2022 فقط إذا حصلت انتخابات .