لا يرحمون ..ولا يتركون رحمة الله تنزل!
نعتقد ونقدّر أنه كلما رفض لبنان المساعدات الإيرانية ،ينشرح صدر المسؤولين الإيرانيين الذين يعتقدون أنهم بذلك أدوا قسطهم للعلى، وبالتالي وفروا على الجمهورية الإسلامية المزيد من الأعباء والإمكانات التي يحتاجها الشعب الإيراني ربما أكثر من شعب لبنان وسلطاته العنيدة.
الرفض اللبناني لمساعدات ايران ناجم دائما عن عذر أقبح من ذنب ،وهو الخوف من العقوبات الأميركية والتخلي الخليجي عن لبنان ،وكأن لبنان اليوم في كامل استقراره وبحبوحته الاقتصادية والاجتماعية والمالية ،أو أن ما ينتظر من مساعدات غربية وخليجية سيقدم على طبق من فضة ومن دون أي شروط.
والأنكى من ذلك أن بعض اللبنانيين لا يريد أي مساعدة من ايران،حتى لوكان هواء، من باب الحقد والنكد السياسي ،وهو يعتبر العروض الإيرانية مجرد ادعاءات لرفع العتب ،وقد تعامل ويتعامل مع الزيارة الحالية لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني على هذا الأساس ،ظنا منه أن هذا الموقف يزعج الجمهورية الإسلامية .
والواقع أن ايران لم تتأخر عن تقديم المساعدات للبنان مرة واحدة لدى موافقة السلطات اللبنانية ،بل هي قدمت مساعدات تنصلت منها الحكومات اللبنانية في بعض الأحيان.ولا مجال لتعداد هذه المساعدات المجانية .فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت الجمهورية الإسلامية بتأهيل ستمائة كيلومتر من الطرق في جنوب لبنان وفق المعايير الدولية ،وبعض هذه الطرق لم تتجشم الدولة اللبنانية عناء تأهيلها منذ الانتداب الفرنسي ،وأهل الجنوب يعرفون ذلك تمام المعرفة ويحفظون لإيران هذه المكرمة ،مثلما يحفظ أهل بعلبك والهرمل مثل هذه العمليات على صعيد الطرق.كما اعادت بناء الكثير من الجسور والأبنية والمؤسسات التي دمرتها الحروب الإسرائيلية.أما لماذا الجنوب وبعلبك والهرمل ،فلأن مناطق لبنانية أخرى كان محظرا على إيران مد يد المساعدة لها ،بل أن ثمة مشاريع حيوية رفضت من ايران للمناطق اللبنانية الأخرى ،وأكبر شاهد على ذلك كان مشروع سد تنورين في البترون.
ويعتقد بعض اللبنانيين أن رفض المساعدات الإيرانية من شأنه الضغط على حزب الله وبيئته لفرض الشروط المعروفة على الحزب.صحيح أن الأزمة الاقتصادية تطال جميع اللبنانيين ومن دون استثناء ،لكن الأقل تضررا من هذه الأزمة هو حزب الله وبيئته .فالحزب لا ينكر تلقي المساعدات المباشرة من ايران ،وبيئته تمتلك كمية كبيرة من المغتربين الذين يمدون أهلهم بالدعم والمساعدة .وصدق الرئيس سعد الحريري حين قال في خطابه الأخير أن أموال إيران تسند حزبا ولا تسند بلدا .لكن الرئيس الحريري لم يقل لماذا يرفض البلد أموال إيران.
المهم أن لبنان يطرق كل الأبواب لمساعدته عربيا ودوليا ،إلا الأبواب التي تغضب الولايات المتحدة وبينها أبواب إيران والدول الخاضعة للعقوبات الأميركية ،مع العلم أن هذه الدول أبدت استعدادها أكثر من مرة لمساعدة لبنان بدون شروط وبأقل كلفة.لكن لبنان لم يجرؤ حتى على الموافقة على هذه المساعدات خشية الموقف الأميركي ،وهو اليوم يلجأ الى صندوق النقد الدولي لمعالجة أزمته الاقتصادية ،وهو يعرف سلفا الشروط القاسية لهذه المؤسسة التي أدت الى انهيار العديد من الدول.
في الخلاصة تمنع الدول المانحة ،غربية وعربية ،على لبنان المساعدات من دون شروط قاسية .وتمنع عليه مساعدة من دول أخرى من دون شروط،ويرفض بعض اللبنانيين المساعدات من هذه الدول بذريعة الخوف من الولايات المتحدة.وهذا ما ينطبق عليه معادلة :"لا يرحمون ..ولا يدعون رحمة الله تنزل على لبنان ".
ولا شك أن الحكومة اللبنانية الحالية في ظل الأزمة الخانقة التي يعيشها البلد ،ستكون على المحك في قبول ما رفضته الحكومات السابقة ،لكن موقفها بحاجة الى موقف لبناني جامع لإنقاذ البلد.عندها فقط يمكن للولايات المتحدة والدول المانحة أن ترضخ لارادة هذا البلد بانتشال نفسه من الانهيار مهما كان الثمن.