رأي

لا حرب كبرى ولا تسوية كبرى(نبيه البرجي)

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

 

مفكرون وساسة أوروبيون على خطى هنري كيسنجر، يرون أن أزمة الشرق الأوسط، بتضاريسها الماورائية الضاربة في القدم، لا يمكن أن تحل الا في العالم الآخر. آخرون يرون أن الحروب الصغرى غالباً ما تنتهي بتسويات صغرى، أو بتسويات عائمة. هذا ما حدث في الحروب التي خاضتها المنطقة منذ عام 1948 وحتى الآن.

آرون ميلر، الديبلوماسي الأميركي المخضرم، يتخوف من “نهايتنا الوشيكة في الشرق الأوسط”، بعدما شاخت الأزمنة هناك، وشاخت الأنظمة، وشاخت الخرائط. لا مناص من اعادة هيكلة الوضع ولو بعمليات جراحية حساسة ومعقدة. المنحى الدموي الذي تأخذه أزمة المنطقة، وقد أدى الى انفجار التظاهرات الجامعية، بدأ ينعكس على الداخل الأميركي. روبرت كاغان، أحد كبار منظّري اليمين، يتوجس من تنامي المد اليساري. في هذه الحال، كيف يمكن أن يكون المشهد الشرق أوسطي؟

ولكن أين تبدأ الحرب الكبرى وأين تنتهي؟ بل كيف تبدأ وكيف تنتهي؟ الوضع العربي في أسوأ أحواله. هل تكفي الهيستيريا التوراتية في “اسرائيل” لتغطية السقوط المدوي في غزة، بالرغم من كل التطور العلمي والتكنولوجي؟ المظلة الأميركية هي التي تؤمن لها كل مقومات البقاء وحتى التفوق. لكن اللوبي اليهودي لا يزال يتمدد أخطبوطياً، ان بإدارة السياسات أو بإدارة الاستراتيجيات، ممسكاً بالمفاصل الأساسية للأمبراطورية المالية وللأمبراطورية الاعلامية، ومن قاعات “وول ستريت” وحتى كازينوات “البيفرلي هيلز”.

الباحثون في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المموّل من “الايباك”، يعتقدون أنه إذا ما بقي الايقاع الحالي لردات الفعل على أحداث غزة، فقد تتشكل حالة أميركية ضد “اسرائيل”. بطبيعة الحال، لا مجال للرهان الآن على أن يتحول مبنى “الكابيتول”، وهو بمثابة الهيكل الثالث، الى قلعة فلسطينية مثلما هو الآن قلعة “اسرائيلية”. ولكن ألم يقل الانكليزي توماس هوبز ان التاريخ مثل الثعبان لا يستطيع أن يدور حول نفسه الى الأبد؟

الأميركيون لن يتركوا الشرق الأوسط للصينيين الذين يتسللون من ثقب الابرة، ولا للروس الذين لامست رؤوس أصابعهم، لا أقدامهم، المياه الدافئة. مثلما هناك النفط والغاز، هناك الثروات المعدنية الأخرى، لا سيما في شبه الجزيرة العربية. استطراداً، “اسرائيل” تبقى ضرورة ايديولوجية للشخصية الأميركية، وحيث عرف البيوريتانز (المتطهرين) كيف يحلّون عصا موسى محل الخشبة التي علّق عليها السيد المسيح، حتى أن ادارة جو بايدن رفضت ابرام معاهدة دفاعية مع السعودية وهي الحليف التاريخي قبل التطبيع مع الدولة العبرية.

لكن الأميركيين يخشون مما وصفه برنارد لويس بـ “تعويذة الآلهة” في الشرق الأوسط. هو الذي سأل عن تلك “اللعنة الغامضة” التي تجتذب الأمبراطوريات لتقتلها. حالياً، لا مجال للاعتماد على البلدان العربية الحليفة، كونها اعتادت الحماية الأميركية. هناك تركيا. المشكلة أن رجب طيب اردوغان ربما كان “فيلسوف الزبائنية” في المنطقة. حيناً يحاول أن يستقل العربة الأميركية، وحيناً العربة الروسية، وحتى العربة “الاسرائيلية”، لاعادة احياء السلطنة. وهناك ايران التي ما زالت تنظر الى أميركا كصنيعة وكوديعة للشيطان في كوكبنا.

ما يعني اللوبي اليهودي تحطيم، أو احتواء، أي قوة يمكن أن تشكل خطراً مباشراً، أو غير مباشر على “اسرائيل”. اذ تمكنت المقاومة في لبنان من “تغيير طبيعة الأشياء” بإرساء معادلة توازن الرعب، استطاع الفلسطينيون زعزعة “أمبراطورية يهوه”، ما يمكن أن يحدث تفاعلات دراماتيكية في المشهد الدولي (لا العربي) الذي هاله مدى البربرية في الأداء العسكري والسياسي “الاسرائيلي”.

كلام وراء الضوء حول جنون بنيامين نتنياهو، لاعتباره أن الظروف ملائمة للضربة الاستباقية ومن البوابة اللبنانية، كونها تتصل بكل من سورية وايران مروراً بالعراق واليمن. بطبيعة الحال الضفة والقطاع.

مهما قيل في البطة العرجاء، وفي تأثير “الايباك”. الأميركيون اتخذوا قرارهم. لا حرب كبرى. بالتالي لا تسوية كبرى، لتبقى المنطقة في الدوامة الى أن ينجلي المشهد الاقليمي والدولي.

“لن ننزلق الى الجحيم”، قالها آرون ميلر. متى لم يغادر الأميركيون أرض المعركة، وهم مثخنون بالجراح تحت جنح الظلام…؟؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى