رأي

لا تغرقوا سفينة لبنان أو تدعوها تغرق !(يوسف ابراهيم شاهين)

 

بقلم د.يوسف ابراهيم شاهين – الحوارنيوز

 

يمر لبنان حالياً في أصعب الظروف وأعقدها على كافة الأصعدة خارجياً وداخلياً مع اقتراب الإستحقاق النيابي ونتائجه،  والتطورات في الموقف الرسمي لجهة التفاوض مع العدو الإسرائيلي وإدخال مدنيين إلى “الميكانيزم”، بالإضافة إلى مواقف البعض على المستوى السياسي وتداعيات ذلك على لبنان. 

ويبرز هنا دور الولايات المتحدة الأمريكية وحجم الضغوط التي تمارسها، وهذا ما عكسه بيان السفارة الأميركية حول اجتماع الناقورة الذي تحدّث عن الصفة العسكرية والسياسية للإجتماع، وما أكدته أيضاً  مصادر مكتب ” نتنياهو” أن هذه المفاوضات هي للسلام والتطبيع وليست مفاوضات تقنية لوقف النار، متجاهلة القرارات الدولية وساعية إلى فرضٍ للإستسلام وفق شروطها، وتحصيل المزيد من التنازلات وعدم الإكتراث لأي خطوة يقوم بها لبنان. 

فكل تنازل لبناني تقابله إسرائيل بالتصعيد، وهي تمارس استراتيجية “إخضاع الخصم” عبر إجباره على تقديم تنازلات مجانية، واتباع صيغة ” جز العشب” لتقويض سلاح المقاومة ومنعها من ترميم بنيتها وعدم تعافيها للقضاء عليها بشكل كامل. 

داخلياً ترى الدولة أنه لا خيار لها سوى التفاوض! بالإضافة إلى تفعيل الحركة الدبلوماسية للضغط على إسرائيل للإلتزام بإعلان وقف الأعمال العدائية وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، فإذا سلّمنا أنه لا خيار لنا سوى التفاوض، لا بد من الإشارة إلى أن فلسفة التفاوض السياسي تقوم على مبدأ يجسّد إرادة الدولة، ويظهر موقعها في موازين القوة، فما هي الأوراق التي يملكها المفاوض اللبناني بمواجهة عدو يمعن في الإعتداءات الوحشية ضارباً عرض الحائط كل القرارات الدولية بغطاء بات معروفاً وواضحاً؟! 

إنّ شخصية المفاوض مهمة جداً وهي تعكس صورة الدولة وصلابة الموقف وحسن التقدير، فهل تحوّل التفاوض إلى عملية داخلية يعكس صراعاً بين رؤيتين داخليتين؟ وهل تسمية شخصية في مفصل تقني سيادي بالغ الحساسية لموقع تفاوضي يُعتبر رسالة سياسية إلى الداخل اللبناني تحت الضغط الأميركي الواضح؟ وبالتالي يخدم أجندات خارجية ومحلية لإعادة  بعضاً من التوازن لمآرب غير وطنية؟ وما هي المهمة الحقيقية للمفاوض اللبناني؟ وما الهدف من وراء كل ذلك؟ 

إن أي دور غير تقني يلعبه المفاوض اللبناني في اجتماعات الناقورة اعتباراً من التاسع عشر من الشهر الحالي، يسقطه من المهمة الموكلة إليه، ويُعتبر تعيينه بحكم الباطل لتعدّيه المهمّة الرسمية المتفق عليها بين الرؤساء الثلاثة، فالمهمّة واضحة تقنيّة بحتة: وقف الإعتداءات، تثبيت وقف إطلاق النار ، الإنسحاب من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، وقف الإنتهاكات والخروقات بشكل كامل، إعادة جميع الأسرى والإلتزام بالقرارات الدولية، وهذا ما أعلنه الرئيس نبيه بري وأكدّه في العديد من المواقف.

إن إسرائيل لا تحتاج إلى مفاوض يوافقها فحسب، بل تهاب المفاوض الذي يرفض شروطها ويجيد إدارة أوراق القوة، فالأمن الحقيقي والإستقرار والكرامة والسيادة لا يمكن تحقيقهم إلاّ بقوة المقاومة المستمرة وتحصينها ودعمها والإستفادة من سلاحها وليس بقرار نزعه، ولبنان يملك جيشاً قوياً جاهزاً للدفاع “ورقبته سدادة” بمؤازرة شعب لا يعرف معنىً  للخضوع والإستسلام والإرتهان والخنوع.

 لقد شكلت المقاومة بكافة أطيافها على مدى عقود من الزمن ركناً أساسياً في تغيير قواعد اللعبة مع العدو، وكشفت أن لبنان ليس عاجزاً ولا خاضعاً بل يملك عناصر وأدوات قوة فعلية تحول دون فرض شروط عليه من دون ثمن، وكسرت مقولة قوة لبنان في ضعفه، وحوّلت المقولة إلى قوة لبنان في وحدته وتضامنه ومقاومته وجيشه وشعبه، وأنه لا سبيل أو نجاح لإرادة الدولة في مقارعتها للمحتل من موقع الضعف أو من موقع الإنقسام بل بالوحدة الوطنية والإنسجام الداخلي، والوقوف سداً منيعاً بوجه الإحتلال والتدخلات الخارجيّة للحفاظ على السيادة، والجلوس مع كافة القوى الداخلية للتوافق في المواقف التي تهدد أمن لبنان وتمنع استقراره، فكلّنا في السفينة فلا تغرقوها أو تدعوها تغرق. 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى