لا الضمانات ولا التريليونات شفعت لقطر! (أكرم بزي)

كتب أكرم بزي – الحوارنيوز

أن تقوم إسرائيل بضرب حليفة الولايات المتحدة الاميركية في الخليج العربي، قطر، آخر ما يمكن أن بتوقعه اي محلل سياسي، لما تشكله هذه العلاقة من روابط وثيقة وحجم استثمارات يعتبر الأعلى على مستوى العالم.
رئيس الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي أمير أوحانا، يحذّر “كل الشرق الأوسط”. جاء ذلك في تدوينة نشرها أوحانا، وهو من حزب “الليكود” الحاكم بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عبر حسابه على منصة “إكس” الأمريكية.
ووزير الدفاع الإسرائيلي نشر تعليقا على عملية “قمة النار” التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية ضد مسؤولي حماس في الدوحة، قائلا: “سياسة إسرائيل الأمنية واضحة – يد إسرائيل الطويلة ستعمل ضد أعدائها في كل مكان. لا يوجد مكان يختبئون فيه.
المفارقة المضحكة، أن الولايات المتحدة الاميركية و”إسرائيل” تعهدتا لقطر وأميرها منذ شهر تقريباً بعدم إستهداف قيادة حماس في قطر.
يوم الأربعاء 14/5/2025، أعلن البيت الأبيض في بيان تفاصيل الاتفاقيات التي تم توقيعها في قطر، وقال إنها ستحقق “تبادلا اقتصاديا بقيمة 1.2 تريليون دولار على الأقل”. وأوضح البيان أن الاتفاقيات تشمل صفقة بقيمة 96 مليار دولار مع الخطوط الجوية القطرية لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ مزودة بمحركات جنرال إلكتريك.
1.2 تريليون دولار حجم الاستثمارات الاخيرة، التي استثمرتها قطر في الولايات المتحدة الاميركية، بالإضافة إلى طائرة هدية للرئيس الاميركي دونالد ترامب، وبحسب تقرير نشرته شبكة “آيه بي سي” نيوز الأميركية، فإن الطائرة، وهي من طراز بوينغ 747-8 جامبو، قد تكون “أثمن هدية تتلقاها الحكومة الأميركية على الإطلاق”، في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، وُصفت بأنها “قصر طائر”.
أكبر قاعدة أميركية في الشرق الاوسط، مجهزة بأحدث التقنيات العسكرية والامنية واللوجستية، موجودة في قاعدة العيديد في قطر، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أن القاعدة تضم مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي، فضلا عن مركز للعمليات الجوية المشتركة يمكن للقوات الأميركية الانطلاق منه لمنطقة واسعة تشمل 21 دولة. وأكملت قطر، بناء القاعدة عام 1996، وعلى مر السنين أنفقت ما لا يقل عن 8 مليارات دولار لتطويرها، ويستخدمها الجيش القطري إلى جانب الجيش الأميركي وسلاح الجو الملكي البريطاني.
لم تمنع التعهدات والضمانات الأميركية غطرسة بنيامين نتنياهو، من ضرب العاصمة القطرية (الدوحة)، والتي تعتبر بحسب ما جاء أعلاه بمثابة “الحصن الحصين” لاميركا ولقطر، وعلاقتهما تعتبر من أفضل العلاقات، والتي تشكل بالنسبة لقطر والخليج العربي بحسب المفهوم الخليجي “للردع والحماية” أهم خط دفاع أول عن المصالح المشتركة للخليج وللولايات المتحدة الاميركية.
هذه الضربة، على الدوحة واستهداف قيادة حركة “حماس”، في عقر دار أمير قطر وقلب الخليج العربي، تؤكد ما طرحه نتنياهو حول مقولة “الشرق الأوسط الجديد”، أي أن ما يجري الآن من استباحة لدولة سوريا ولعاصمتها دمشق من قبل العدو الصهيوني، سيعمم على كافة الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج، وبهذا المعنى، لم تعد هناك بقعة آمنة في منطقتنا، وأن العدو الصهيوني كلما لاحت له الفرصة سيقوم بضرب أي “هدف” يصنفه على أنه تهديد لأمن “إسرائيل”، وهذا الهدف بالمفهوم الصهيوني يتدرج من قائمة الأسلحة الثقيلة الاستراتيجية، إلى أي تهديد سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، او “معاد للسامية”، (بحسب ما يحدث في فرنسا وألمانيا وأوروبا وأميركا عموماً الآن)، أو أي مفكر او سياسي أو إعلامي تعتبره إسرائيل عدواً لها.
كل هذه العلاقات المتينة بين دول الخليج، وكل هذه الاستثمارات، وكل هذا الإغداق من أموال وهدايا الخ… لم تشفع لقطر ولا للخليج، من قيام إسرائيل (ربيبة الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة)، من استثنائها، بالرغم من كل التعهدات والإلتزامات والوعود الاميركية لأميرها، ولأمراء الخليج.
المعلومات تقول ان الولايات المتحدة الأميركية أبلغت قطر، قبل عشر دقائق، ومعلومات أخرى تقول، سمع دوي الإنفجارات خلال المكالمة الهاتفية التي كان يتم التحذير فيها مع مسؤوليين قطريين. والسؤال، هل كان البيت الأبيض على علم بهذه العملية؟ والسؤال الذي يفرض نفسه: أبلغت “إسرائيل” البيت الأبيض بحسب الصحافة العبرية، لماذا لم تمنع أميركا هذه العملية، خاصة وأن الوفد المفاوض من حركة حماس كان يناقش ورقة أميركية حول الأسرى ووقف العمليات الحربية في غزة؟
لم تشفع كل هذه الاستثمارات الخليجية، والتي تعتبر من أكبر الاستثمارات العالمية وسوق الأوراق المالية بين أميركا ودول الخليج والتي تبلغ أكثر من 30 تريليون دولار خلال الثلاثة العقود الماضية، أن تقوم إسرائيل بالتواطؤ مع اميركا بالقيام بهذه الضربة. فلا حجم الاستثمارات سيمنع “إسرائيل” من استكمال طموحاتها بالسيطرة على كل دول المنطقة، ولن يجعل أميركا تقوم بمنع “إسرائيل” عن تحقيق حلمها التاريخي.
وبالمناسبة، على بعض اللبنانيين الذين يطبلون، للسياسة الاميركية وضماناتها في لبنان، أن يعوا تماما أن ما تقوم به الولايات المتحدة الاميركية منذ عملية “الخفاش الأزرق” في العام 1958 ولغاية الآن، هو لإحكام السيطرة بشكل كلي على هذا البلد واستغلال ثرواته الغازية والنفطية، وأيضاً لما يشكل من عقدة وصل جغرافية وبحرية في وسط هذا المحيط، و”تهديد امني” للكيان الصهيوني، وهنا لا بد من التذكير بما قاله المفكر اللبناني ميشال شيحا، الذي قال في مؤلفاته مراراً وتكراراً: “أن الكيان الإسرائيلي يشكل أكبر خطر وجودي على الكيان اللبناني”، وهذان البلدان لا يمكن لأحدهما ان يستمر فإما “إسرائيل” وإما لبنان.
فلا الضمانات الأميركية ولا الفرنسية ولا الاوروبية، يمكن أن توقف إسرائيل عن عدوانها المستمر على لبنان والمنطقة، وحدها القوة ووحدة الموقف الوطني اللبناني يمكن أن يقف سداُ منيعاً تجاه الاطماع الصهيونية، وأمام هذه الغطرسة المستمرة منذ قيام هذا الكيان. مقاومة هذا العدو هو واجب كل اللبنانيين وليس فئة معينة وعلى من يعتمد على الضمانات، فلينظر ويتأمل بالعدوان على الدوحة عله يهتدي.



