العالم العربيسياسة

لافروف في بغداد : وقت مناسب ومصلحة استراتيجية مشتركة

 

د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز – خاص

               

وصلَ الزائرُ بغداد بتاريخ ٢٠٢٣/٢/٦، وبصحبة وفد سياسي و اقتصادي واستثماري كبير وبفريق اعلامي مؤلّف من ٢٦ مراسلاً وصحفياً، يمثلون مختلف المحطات والصحف الاعلامية الروسيّة المختلفة. الامرُ يؤشرُ على اهميّة الزيارة ، والاحاطة الاعلامية والدولية، التي تريدها موسكو لهذه الزيارة .

جاءت الزيارة في وقت يناسبُ موسكو  وبغداد. لمْ تأتْ في عهد حكومة السيد الكاظمي، حيث يحسبها المتابع المتواضع للشأن السياسي، حكومة الادارة الامريكية، فكيف تراها اذاً السلطات السياسية والمخابراتية لدولة عظمى؟ ( انظر في ذلك مقالاً لصحيفة فيغارو الفرنسية بتاريخ ٢٠٢٠/٥/٨ ،بعنوان ، رجل مخابرات على رأس الحكومة العراقية يحظى بتقدير الغرب و بعلاقات جيدة مع ايران ).

لن تهملْ روسيا العراق، ولكنها انتظرت طويلاً مجئ  حكومة في العراق مؤهلة لثقة روسيا ، وقادرة على بناء ارضية تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري مشترك، وغير مُرتهنة بالإملاءات الامريكية. هذا ما تراه وتأملُه روسيا ، وهذا ما يصبو اليه العراق ، ولولا هذه الارادة المشتركة بين العراق وروسيا لما تحقّقت الزيارة .

 لا يمكن اخفاء دور السيد المالكي ، رئيس وزراء العراق الاسبق ، و اللاعب الاساسي في المشهد السياسي ، في تهيئة وانجاز هذه الزيارة ، من خلال ثقة وعلاقة الجانب الروسي بالسيد المالكي . تجدر الاشارة ايضاً الى الزيارة التي قام بها سفير روسيا في بغداد للسيد المالكي في ٢٠٢٣/١/٢٦.

ركّزَ الاعلام الروسي ، وتزامناً مع زيارة وزير الخارجية ، على حرب الخليج  واحتلال العراق خلافاً للقانون الدولي ،  واستحضرَ الحملة التي قام بها كولن باول ، وزير خارجية امريكا الاسبق ، حين مسك الانبوب الذي يحتوي على مسحوق ابيض ، مدعياً ، ومن على منبر مجلس الامن ،بتاريخ ٢٠٠٣/٢/٥، بأن الانبوب هو دليل على امتلاك العراق للسلاح الكيمياوي ، وروّج الاعلام الروسي مداخلة كولن باول ، تحت عنوان ” انبوب باول “، و على لسان رئيسة مجلس الاتحاد الروسي ، السيدة فالنتينا ماتفيينكو ، والتي اكدّت أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم ، ومن الصحيح ، كما قالت ، ان يطرح موضوع الكذبة الشنيعة التي سبّبت احتلال ودمار العراق في الامم المتحدة .

يدرك الروس أنّ ذاكرة الشعب العراقي لن تسدل الستار عن الدمار الذي حلَّ ببلدهم جراء الاحتلال الامريكي و تداعياته ، وما تلاه من ارهاب و جرائم ، توّرط بهما الامريكان وحلفاؤهم في المنطقة . وللعراق ميراث من العلاقات و التاريخ المشهود بالتعاون والسلام مع الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية ، وله ايضاً تاريخ و حاضر من قصص  ومشاهد مُعاناة وتآمر واستعمار وحروب مع اسرائيل و داعميها من الامريكيين  والدول الغربية الاخرى .

تأتي الزيارة والعراق يواجه ازمة انخفاض العملة وتسّيد الدولار، وتستخدمه الولايات المتحدة الامريكية وسيلة سياسية ضاغطة ، بالرغم مما يمتلكه العراق من موارد نفطيّة واحتياطي من الذهب و العملة الصعبة .

الزيارة مناسبة ايضاً لروسيا ،التي تسعى الى ترسيخ حضورها السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط ،فهي اليوم فاعلة و مؤثرّة مع دول جوار العراق ( سوريا ،ايران ،تركيا ، السعودية ،الامارات ) . لن يتردّد الروس اذاً في:طرق ابواب العراق و فّك طوق الحصار عليه من قبل امريكا ، ومّد جسور التعاون .

الحرب في اوكرانيا اصبحت وعلناً حرباً بين معسكريّن : روسيا و حلفائها من جهة ،وامريكا و الناتو والغرب من جهة أخرى ، وبدأ كل معسكر يوظّف علاقاته وسياسته الدولية من اجل استمالة واصطفاف دول فاعلة لجانبه ؛ فاعلة في الطاقة ، في الموقع الجغرافي ،في السلاح .

العراق يمتلك مقومات الدولة الفاعلة ،  ولا بُّدّ من توظيف هذه المقومات في رسم سياساته الخارجية وعلاقاته الدولية ، وتعزيز سيادته السياسية  والاقتصادية.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى