لاءات الخرطوم تسقط في عقر دارها!
كتب واصف عواضة:
كأوراق الخريف تتساقط الدول العربية في حضن التطبيع.هو مشهد لعل أخطر مافيه أن العلاقات مع الكيان الصهيوني باتت أمرا مألوفا، لدرجة أنه لم يستدرج حراكا شعبيا مناوئا في أي عاصمة عربية.فهموم الشعوب العربية في كل دولة ،أضحت أكبر من الالتفات الى فلسطين وقضيتها ومعاناة شعبها.
آخر هذه الأوراق كان السودان،بعد الإمارات والبحرين،وقبلهما مصر والأردن.ما كان لأحد أن ينتظر من السودان أن يقدم على مثل هذه الخطوة بعد سقوط نظام عمر البشير،وكأنه مكتوب على الشعوب العربية أن تفاضل في أنظمتها بين الفساد والتطبيع مع الدولة العبرية.
نحن الجيل الذي عايش قمة الخرطوم عام 1967 بلاءاتها الثلاث (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف )،ما زلنا نستثقل التطبيع مع إسرائيل.كنا إذا لاح في الأفق تصريح أو حتى تلميح لمسؤول عربي،مجرد تلميح،بإمكان التفاوض مع الكيان الصهيوني تقوم القيامة ولا تقعد حتى يتراجع هذا المسؤول عن موقفه.وكم من زعيم عربي رحل عن هذه الدنيا وهو يحمل في جنباته صبغة الخيانة ولباس العار ،فقط لأنه ألمح تلميحا الى إمكان التحدث الى مسؤول اسرائلي.
لقد تغير الزمان.نصف قرن وأكثر مضى على لاءات الخرطوم ورحيل آخر الزعماء العرب الذين لم يجرؤ مسؤول عربي في حياته على مجرد المسايرة أو المساومة في قضية فلسطين.كان جمال عبد الناصر سدا منيعا في وجه التطبيع على الرغم من الضغوط والحروب والجوع الذي كانت تعاني منه مصر وغالبية دول العرب.فمن المسؤول الذي أوصل الأمة الى مثل هذا المآل؟
هل كانت زيارة أنور السادات للقدس مدخلا الى كسر الحلقة المغلقة مع الإسرائيليين؟
أم أن مفاوضات أوسلو التي قادها محمود عباس برعاية ياسر عرفات ،هي التي فرضت حالة الاسترخاء العربي تجاه الكيان الصهيوني؟
أم أن المصالحة الأردنية الإسرائيلية في وادي عربة هي التي حتمت المزيد من التراجع في ضمير العرب تجاه فلسطين وقضيتها؟
وهل أن الضغوط والمعاناة التي واجهها ويواجهها لبنان وسوريا كدولتي جوار لفلسطين ،أدخلت حالة اليأس الى النفوس ،على قاعدة "فالج لا تعالج"؟
أم أن غياب التضامن العربي وجامعته النائمة نوم أهل الكهف،جعل كل دولة عربية تتصرف على هواها وتتخذ القرار الذي يناسب نظامها لا شعوبها؟
وهل كانت تجربة المقاومة في مقارعة الاحتلال فاشلة الى هذا الحد كي تقف الأمة العربية ،وجهها على الحائط رافعة يديها بالاستسلام؟ ..إن تجربة لبنان وغزة لا توحي بذلك ،على الرغم من كل الصبر والمعاناة ،وقبل ذلك القرار والإرادة.
وأخيرا لا آخرا:هل سقط الى غير رجعة،الحلم العربي بتحرير فلسطين ،على أمل الفوز بفتات دولة فلسطينية؟ ..نخشى أن يكون العرب ومعهم الفلسطينيون قد وصلوا الى هذه القناعة!
اليوم تسقط الخرطوم في حضن التطبيع ،بعدما سقطت لاءاتها كأوراق الخريف،وأغلب الظن أن فتات الدولة الفلسطينية بات حلما بعيد المنال!!ويبقى السؤال لماذا وصلنا الى هنا ،ومن المسؤول؟