العالم العربيسياسة

“حوار الساعة” مع المناضل المخضرم الذي وصل إلى كرسي الرئاسة في العراق (صلاح سلام)

الرئيس عبد اللطيف رشيد: من حق أي دولة حصر السلاح بالقوات المسلّحة الشرعية.. العلاقات مع الدول العربية وإيران جيّدة

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب صلاح سلام من بغداد يقول:

 

عندما تسمع حديث الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد عن لبنان، تشعر أنك أمام خبير بالوضع اللبناني وتعقيداته المختلفة: التركيبة الطائفية، العائلات السياسية، الأحزاب والكتل البرلمانية، .. إلى جانب طبعاً واقع الدولة اللبنانية، ومسار العهد والحكومة لإعادة تفعيل دور الدولة وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. ومن قرار حصرية السلاح مع الدولة وقواتها الشرعية، إلى التمادي الإسرائيلي في الإعتداءات اليومية، إلى الأزمة المالية وإنهيار النظام المصرفي وحجز أموال المودعين، وغيرها من القضايا الملحة الأخرى.

ولكن متابعته للوضع اللبناني، لا تشغل الرئيس عن إهتمامه بالملفات التي تهم المواطن العراقي، الذي يعيش هذه الأيام أجواء الحملات الإنتخابية النيابية التي تم تحديد موعدها في ١١ تشرين الثاني المقبل، والقضايا الإقليمية التي تعني العراق، والتي أصبحت بلاد الرافدين جزءاً لا يتجزأ منها، وفي مقدمتها الغارة الإسرائيلية الغادرة على الدوحة، والعلاقات غير السوية مع تركيا، التي تضغط بتقنين المياه على نهر دجلة، الذي وصل منسوبه إلى أقل من ربع مستواه العادي، وصولاً إلى الحرص العراقي على حسن العلاقة مع الشقيقة السعودية التي تمتد حدودها مع العراق حوالي ٨٠٠ كلم، فضلاً عن المعطيات الطبيعية التي تفرض نوعاً من «العلاقات الخاصة» مع إيران

يتميز خطاب الرئيس الرشيد بالهدوء والرصانة، بعيداً عن الشعارات الطنّانة والكلمات الرنّانة، ويضع الحروف فوق أحرفها الصحيحة بكل صراحة، داعياً دول العربية والإسلامية إلى المصارحة والتوافق في طروحاتها المختلفة وصولاً إلى صياغة الموقف الواحد القادر على فرض إحترام الأمة، على الصديق قبل العدو.

«العراق يسير على دروب الإستقرار والتنمية بخطى ثابتة، بعد دحر الإرهاب، والعودة إلى الحياة السياسية الطبيعية». بهذه الكلمات الوجيزة يرسم الرئيس العراقي الدكتور عبد اللطيف رشيد لوحة مفعمة بالتفاؤل بمستقبل بلاد الرافدين، بعد سنوات عجاف في حربه ضد الإرهاب، الذي وصل إلى أبواب بغداد، وكاد يُمسك بخناق العراق.

في قصر بغداد الرئاسي، الذي أُعيد ترميمه وبناء أجنحته الجديدة، بعد الدمار الذي أصابه بالقصف الأميركي لعاصمة هارون الرشيد عام ٢٠٠٣، يستقبل الرئيس العراقي زواره في قاعات تجمع بين البساطة والفخامة دون تصنُّع، وجدران بعضها مزيّنة بآيات من القرآن الكريم توحي بعناوين وتوجّهات المرحلة الراهنة التي يعيشها العراق.

منذ الدقائق الأولى تشعر أنك أمام مناضل سياسي مخضرم، عجنته التجارب والمعاناة، وزادت تمسّكه بولائه للوطن، الذي غادره وهو في مطلع شبابه إبن ثمانية عشرة ربيعاً، إلى بريطانيا حيث درس في جامعاتها، ومارس التدريس الأكاديمي، إلى جانب إلتزامه بقضايا الوطن من خلال إنخراطه باكراً في حزب الاتحاد الذي ساهم في تأسيسه مع عديله الرئيس الراحل جلال الطالباني. وعاد إلى العراق بعد حرب ٢٠٠٣ وشغل عدة مناصب وزارية ورسمية قبل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية.

يبدأ الرئيس «حوار الساعة» بالسؤال عن الأحوال في لبنان الذي يحظى بمكانة خاصة، ويتمتع بالضيافة اللبنانية كلما زار بيروت. يعتبر الرئيس الرشيد أنه من الطبيعي أن تمارس الدولة، أي دولة، حقها القانوني في حصر السلاح بالجيش والقوات الأمنية. والعراق يهمّه أن تنجح مسيرة العهد الجديد في بسط سلطة الدولة وتحقيق الإستقرار، وتنفيذ الانسحابات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، ووقف الاعتداءات اليومية.

وعندما نسأل عن الوضع السياسي في العراق، يردُّ الرئيس الذي تولّى عدة مناصب وزارية قبل أن يتبوأ منصب الرئاسة: عانينا كثيرا من نظام الحزب الواحد والحاكم الواحد، لذلك توافقت القوى السياسية على إعتماد النظام الديموقراطي، القائم على التعددية الحزبية والثقافية، وتنظيم توازن السلطات. ولعلّ الأهم في التجربة العراقية الجديدة أنها ترعى مبدأ تداول السلطة، وتحرص على إتمام الاستحقاقات السياسية والإنتخابية في مواعيدها القانونية. والبلد هذه الأيام يعيش أجواء الانتخابات النيابية التي ستجري في ١١ تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حيث تستقيل الحكومة، ويؤلف الوزارة بعد الانتخابات من يفوز بتأييد أكثرية النواب، والمجلس الجديد سينتخب رئيساً للجمهورية لأن ولايتي وصلت إلى الأشهر الأخيرة.

وعن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي أقامت في بغداد أكبر سفارة لها في العالم، يكتفي الرئيس بالقول بأنها تمرّ في حالة إستقرار، بعد المفاوضات الأخيرة حول الانسحابات الأميركية من بعض القواعد، ولكن التفاصيل اليومية لا تخلو من عمليات مد وجزر، مثل السماح للعراق بإستيراد الغاز الإيراني للمساهمة في حل مشكلة الكهرباء في البلد، ولكن أحطنا علماً لاحقاً بأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران تحول دون تسديد ثمن الغاز، الذي وصل مؤخراً إلى ١١ مليار دولار.

أما العلاقة مع إيران «من الطبيعي أن تكون جيدة» يقول الرئيس، حيث الحدود المشتركة بين البلدين تمتد حوالي ١٤٠٠ كلم، وتَوزُّع نفس المكونات الدينية والأتنية بين البلدين، يساهم في تعزيز العلاقات بين الشعبين، ويخدم المصالح المشتركة بين البلدين.

وضع العراق مع دول الجوار العربية جيّد، خاصة مع المملكة العربية السعودية «التي تربطنا بها حدوداً مشتركة على طول ٨٠٠ كلم»، وثمة حرص مشترك على تعزيز التعاون لما فيه صون مصالح البلدين. أما بالنسبة لسوريا فنحن مع ما يقرره الشعب السوري في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سوريا.

ثمة «أزمة صامتة» بين العراق وتركيا التي تتفرّد بإتخاذ خطوات آحادية بحجّة التصدّي للفصائل الكردية المسلحة، ولو أدّى ذلك إلى عدم احترام سيادة العراق على أراضيه. ولكن المشكلة المزمنة بين البلدين بعدم الإلتزام التركي بقواعد العدالة والجوار في تحديد حصص المياه، وأدّى «الحصار» المائي الحالي إلى إنخفاض منسوب نهر دجلة إلى أقل من ربع معدله في مثل هذه الأيام. وجولات المفاوضات المتكررة لم تحقق أي إختراق في مشكلة المياه بين البلدين. علماً أن حجم مستوردات العراق من تركيا يصل إلى ٣٠ مليار دولار سنوياً.

يستنكر الرئيس الرشيد حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ويحمّل المجتمع الدولي، وخاصة واشنطن، مسؤولية التمادي الإسرائيلي في إرتكاب المجازر في غزة، ويصفها بأنها جريمة ضد الإنسانية وليس ضد أهالي غزة فقط. وسيشارك في المؤتمر الدولي الذي دعت إليه السعودية وفرنسا للإعتراف بحل الدولتين، وذلك خلال وجوده في نيويورك لإلقاء كلمة العراق في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويختتم الرئيس الرشيد «حوار الساعة» بالسؤال عن معالجات الأزمة المصرفية ومصير الودائع: آكو كثير من العراقيين أودعوا أموالهم في المصارف اللبنانية. لثقتهم بالنظام المصرفي اللبناني، وسهولة التعامل بين المودع والمصرف، على عكس ما هو الحال في معاملات البنوك الأوروبية. ولكن حجز أموال المودعين وإنهيار النظام المصرفي اللبناني شكّل صدمة كبيرة، وضرب الثقة بسلامة وشفافية العمل المصرفي في لبنان.

نودّع الرئيس الدكتور عبد اللطيف رشيد الذي كان يستعد للمغادرة في اليوم التالي إلى نيويورك، لنخوض في زحمة السير الخانقة في بغداد، والتي تستمر حتى ساعات الصباح الأولى، لأن أجواء الأمن والإستقرار أطالت ساعات السهر في الليل حتى طلوع الفجر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى