كي لا تتوسّع ثقافة الإنهزام والإستسلام !(نسيب حطيط)
د.نسيب حطيط – الحوارنيوز
قبل 1400 عام، كان العرب قبائل تغزو وتنهب وتقتل بعضها بعضا ولم يوحّدها إلا الشعر ، وكان هدفها الأول، البقاء على قيد الحياة دون جوع، وما زلنا نحفظ من مدرستنا( انهم كانوا يبحثون عن الماء والكلأ).
أكرمه الله العرب بالإسلام وبرسول الله (ص) فتوحّدوا وصاروا “أمة” ولهم حضارة وعلماء ومفكرون وفلاسفة، واستطاعوا الدفاع عن بلادهم حتى غزوا الروم والفرس،ثم تفرّقوا شيعاً ومذاهب وخلفاء وملوك وأمراء وقتلوا واغتالوا بعضهم وتحول دواؤهم “الإسلام” الى دائهم الخبيث والقاتل!
غزاهم الصليبيون واستعمرهم العثمانيون ثم فرنسا وبريطانيا وقسّموهم دولاً وامارات، بما عُرف بإتفاقية”سايكس_بيكو”، ولقّحوا الوطن العربي بالفيروس الاسرائيلي فكانت النكبة عام 1948، ثم توسّع هذا الفيروس الإحتلالي، فكانت النكسة عام 1967.
بعد النكبة والنكسة ،وُلدت حركات التحرر الفلسطيني والعربي، بداية مع أنظمه قومية ضد الإستعمار الى اجتياح عام 1982 للبنان، حيث تم القضاء على أول حركة مقاومة فلسطينية ونفيها وتشتيتها، وَوُلدت المقاومة اللبنانية البديلة التي تجاوزت في تأثيرها وتهديدها للإحتلال الاسرائيلي كل حركات المقاومة في داخل فلسطين او خارجها، وتجاوزت تأثيرها الوطني لتصبح حركة مقاومة إقليمية وانتقلت من مواجهة الإحتلال الإسرائيلي الذي انتصرت عليه مرتين عام 2000 وحرب تموز 2006 ، لتكون بمواجهة المشروع الأميركي في المنطقة ضمن محور المقاومة.
لأول مرة يشعر التحالف الأميركي-الاسرائيلي بتهديد وجوده في المنطقة ومصالحه عبر حركات محور المقاومة. وفي لحظة إنفعال وقهر وغضب وجوع فلسطيني في غزة ومراهنة على القوة وإلتباس في تقدير قوة العدو المحلية في اسرائيل او العالمية بقيادة اميركا ،بدأ “طوفان الأقصى الآحادي” الذي ربما ستكشف الحقائق بعد سنين ،هل أنه كان فخّاً اسرائيلياً للمقاومة الصادقة والمقهورة، أم تم استيعابه والبدء بالهجوم المضاد ،أم كان خاطئاً في التخطيط وتقدير الموقف أو التفاوض ؟
بعد 14 شهرا من “طوفان الأقصى” وحرب الإسناد اللبنانية واليمنية والعراقية، والتي انزلت خسائر مادية ومعنوية ونفسية في العدو، وتطلب استيعابها مشاركة اميركا وكل الغرب وأغلب العرب، والبدء بطوفان “أميركي_اسرائيلي-تركي” مضاد لاستيعاب الهجوم والبدء بهجوم مضاد متوحّش ،استطاع حتى الآن اسقاط وتحييد ثلاث ساحات اساسية مجاورة للعدو الاسرائيلي ،فسقطت غزة ويبدو ان الضفة ستلحقها، وتم تحييد ساحة لبنان وتقييدها والتي منعت العدو من اسقاطها بصمودها الأسطوري والإستشهادي وضرباتها النوعية، وسقطت سوريا (البلد الثاني التي تحتله إسرائيل بعد فلسطين على طريق إسرائيل الكبرى) مخزن سلاح المقاومة وعقدة الربط وآخر قلعة عربية ضد التطبيع، وتم تحييد العراق بالتهديد والوعيد واعطائه الأمان في حال التزم الصمت والحياد، ولم يبق من محور المقاومة، إلا ساحة اليمن ورأس المقاومة في إيران.
بعد 80 عاما على إستقلال الدول العربية من الاستعمارين الفرنسي والانجليزي ،يبدو ان العالم العربي أمام خريطة تقسيم جديدة بدون “فلسطين”، وسَيستولد دولاً أكثر واستعمارا اميركياً-اسرائيلياً جديداً،سيحكم خمسين عاماً مقبلة.
بعد أكثر من 70 عاما على النكبة واحتلال فلسطين، تُقاد القضية الفلسطينية الى مقصلة التصفية وتذويب شعبها في البلاد التي لجأ اليها، ونقل غزة وأكثر الضفة الى الوطن البديل في الاردن مع نقاش لم ينته بعد…
هل يبقى الملك الأردني ملكاً على وطن فلسطيني-أردني، او أردن “فيدرالي” او إعلان أردن “فلسطيني”…بدون ملك هاشمي؟
تَنقّل العرب من أمة متنازعة في الجاهلية الى استعمار غربي، ثم نكبة ثم نكسة ثم الى أمة مفكّكة مهزومة وحّدها الإسلام القرآني الأصيل ورفعها، ثم مزّقها الإسلام الأميركي-التكفيري وشتتها واذلّها.
على المقاومة في لبنان ان تحفظ نفسها، لتكون خميرة حركات المقاومة التي يجب ان تُولد، لتحرير الأمة ولتقصير الزمن الذي تحتاجه لتحرير نفسها ثانية ولتحرير فلسطين، وليس هذا مستحيلا، بل يحتاج بعض الوقت، والأمر الأساس الا تتوسّع ثقافة الإنهزام والإستسلام او الحرية الخادعة والكاذبة…
لنقاوم، ثقافة الإستسلام التي تبحث عن “الماء والكلأ”…وتعميم ثقافة المقاومة والصمود!