كتب حلمي موسى من غزة:
ساعات تفصلنا عن موعد وقف النار وبدء تبادل الاسرى في غزة، وعندنا كما في اسرائيل سجال محتدم. عندنا حالة استقطاب بين من لم يروا في الحرب الا نكبتهم الشخصية والعامة، ولم يربطوا بين الحرب واسبابها ويرون أنها كانت وبالا على غزة وعموم الشعب الفلسطيني. وآخرون يرون ان الحرب كانت انتصارا وانها مثلت بداية هزيمة الاحتلال.
ينتقد الاوائل عندنا تعابير الفرحة ولا يرون تقريبا اي شيء ايجابي في الاتفاق، فيما يعتقد الآخرون ان الحرب ونتائجها تحمل البشرى. وطبيعي القول ان كل طرف ينظر الى ما جرى من زاوية مناقضة للزاوية التي ينظر منها الطرف الآخر. كما يمكن القول إنه يصعب التوفيق بين الرؤيتين، لأن ارضية التوفيق بينهما مستبعدة في ظل ثقافة عامة ترى دوما ان ما يقوله هذا الطرف صحيح بخلاف قول الطرف الآخر، ولا وجود لمرجعية متفق عليها للحكم على ما جرى.
في اسرائيل الوضع مختلف حيث توجد مرجعية اسمها الانتخابات، وموضع تُحسم فيه المسائل سلبا او ايجابا. وهذا يسهل على كل جهة اثبات ان كان موقفها ينال الرضى الشعبي ام لا. كما ان استطلاعات الرأي تدل كثيرا على وجهة الامور وهي اقرب الى الصحة.
وليس مبالغة قول اغلب من يتابع الاعلام الاسرائيلي ان في الكيان بيت عزاء كبير، ليس فقط لقتلى وانما لموت معتقدات. جزء كبير من العقلاء، بعضهم قادة عسكريون ومؤسسات أمنية ومفكرون وأدباء ونقابيون، يرون أن الاتفاق هو افضل ما يمكن تحقيقه في الظروف الراهنة رغم أنه بالغ السوء. وجزء آخر اقل اتساعا يرى أن الاتفاق هزيمة ويجب رفضه. وانعكاسات الامر نجدها في تظاهرات مؤيدة ومعارضة وفي التصويت على الصفقة في الحكومة. ومعروف أن وزراء سيستقيلون كما ان اعضاء من الكنيست من الليكود سيصوتون ضد الصفقة. وكل هذه تعابير تؤكد صورة الخلاف حتى حول الحسم.
عموما حتى اللحظة الاخيرة حاول نتنياهو التلاعب بالصفقة وافشالها لادراكه المستتر انها لا تحقق أغراضه ولا تحقق اهداف الحرب. لذلك فإن كل تبريره لها يعتمد على أنها لا تمنعه من مواصلة الحرب حتى تحقيق اهدافها.
وبحسب “معاريف” فإن عملية التضليل ما تزال مستمرة حتى بعد اقرار الصفقة في الكابينت السياسي الأمني وفي الحكومة، اذ اشارت الصحيفة الى ان الكابينت ناقش خلال اجتماعه الاخير قرارا بتحديث أهداف الحرب وإضافة هدف لتعزيز الأمن في الضفة الغربية في أعقاب القرار بشأن صفقة التبادل، حسبما ذكرت قناة “كان” الإخبارية. وتسببت المناقشات حول القرار في تأخير عقد اجتماع الحكومة الذي من المفترض أن يقر صفقة الرهائن.
وجاء في نص القرار: “سيتم إضافة هدف الحرب التالي: الإضرار بشكل كبير بقدرات المنظمات الإرهابية في يهودا والسامرة وتعزيز الدفاع والأمن في يهودا والسامرة، مع التركيز على الحفاظ على أمن حركة المرور والمستوطنات”. ويشير نص القرار إلى أن الجيش الإسرائيلي سيخصص وحدة قوات خاصة للضفة الغربية بنفس القدر الذي كان موجودا عندما اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر 2023. لن ينخفض حجم المساهمة في الضمان الاجتماعي إلا بعد صدور قرار آخر من مجلس الوزراء.
وناقش قرار مجلس الوزراء بنداً آخرهو العودة إلى الحرب المكثفة المستمرة إذا لم يتم تنفيذ الجزأين “ب” و”ج” من الاتفاق بهدف تدمير حماس، بما في ذلك:
“اغتيال كبار شخصيات حماس، وفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق، ومصادرة أموال الإرهابيين”…
“تدمير النظام الاقتصادي الإجرامي لحماس بأكمله في غزة والضفة الغربية، وتحديد وإلحاق الضرر بمصالح حماس الإضافية، والقضاء على وتدمير جميع المؤسسات والهياكل الإجرامية المرتبطة بحماس في قطاع غزة، وبذل جهد استخباراتي مكثف ضد حماس في قطاع غزة، وتدمير شبكاتها الإرهابية”..
“التواصل والتأثير والعمل المباشر ضد الإرهابيين الذين يحتجزون بقية رهائننا، بهدف تحقيق إطلاق سراحهم دون تدخل حماس”.
وتباهى ناطق باسم نتنياهو بما تحقق في الاتفاق بطريقة الردح. اذ بعد ساعات قليلة من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، نشر المتحدث باسم رئيس الوزراء عومر دوستري تدوينة سرد فيها إنجازات بنيامين نتنياهو، وأشار إلى وجود ضمانات بأن إسرائيل ستتمكن من العودة للقتال. .
وفي تغريدة نشرها على حسابه على موقع “إكس”، كتب المتحدث: “وهكذا اختفت كل مجادلاتهم.. لن يكون هناك اتفاق إذا أصر رئيس الوزراء على البقاء في فيلادلفي – سنبقى في فيلادلفي. “.
“إن عدم الالتزام بإنهاء الحرب لا يعني عدم وجود التزام. ولن يكون هناك اتفاق إذا أصر رئيس الوزراء على بقاء إسرائيل في منطقة عازلة في القطاع. وقد بقيت اسرائيل في المنطقة العازلة . وبشأنة”العودة للقتال – هناك ضمانات بالعودة للقتال اذا لم تلتزم حماس.”