إقتصاددراسة

تعويم سعر الصرف بين النظرية والتطبيق:إيجابياته أكثر من سلبياته (عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش

ماذا يعني تعويم سعر الصرف؟

تعويم أو تحرير سعر الصرف هو جعل سعر صرف أي عملة خاضعا لقانون العرض والطلب ولنظام السوق المفتوح ، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديد سعرها بشكل مباشر كسياسة التثبيت التي أعتمدتها عدة بلدان ومنها لبنان ، وإنما يتم إفرازه تلقائيا في سوق العملات من خلال عدة عوامل مؤثرة في تحديده ،وهي تشمل العرض والطلب ، ونسبة الفائدة التي يحددها مصرف لبنان ، ويمكن أن تتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب أو تغيير نسب الفوائد .

أشكال التعويم :

يتخذ التعويم شكلين :

التعويم المطلق : يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر.

التعويم المُوجَّه : يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل عبر مصرفها المركزي أو الحكومة حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية ويمكن ان يتخذ هذا التدخل عدة أشكال :

– عرض العملات الاجنبية في السوق بسعر معين .

– تحريك سعر الفائدة .

– زيادة العجز في الموازنات .

– زيادة الدين العام .

– رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة .

أنصار التعويم :

لطالما دافع منظرو المدرسة النقدية في الاقتصاد ومنهم ميلتون فريدمان عن تعويم العملات، زاعمين أن تحرير أسعار الصرف سيجعلها تعكس الأساسيات الاقتصادية لمختلف البلدان (النمو، الرصيد التجاري، التضخم، أسعار الفائدة)، وسيقود ذلك بالتالي إلى إعادة التوازن للعلاقات التجارية وحسابات المعاملات الجارية باستمرار وبشكل تلقائي ،كما ان ترك تحديدها للأسواق من دون أي تدخل أو توجيه من الدولة، يضمن دائما الوصول إلى حالة التوازن، وإن أي عجز تجاري سيؤدي إلى طلب مكثف على العملات الأجنبية ، ما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي إلى تعزيز القدرة التنافسية للبلد المعني .

لكن معظم دول العالم لم تعتمد السعر العائم المطلق فوجدنا ان معظم المصارف المركزية تتدخل اليوم في السوق عبر الادوات النقدية ومنها أسعار الفائدة والتي تقوم بتعديلها بين الحين والاخر ، هذا من ناحية المصارف المركزية ، ومن ناحية الدول عبر زيادة العجز أو تخفيضه في الموازنات السنوية والتي تنعكس بشكل كبير على سعر الصرف ، أو من خلال رفع الرسوم الجمركية واستخدام السياسة الحمائية لمنتجاتها الوطنية لخفض العجز التجاري ، وهذا يعني ان معظم دول العالم اليوم تتبنى السعر الموجه وفقا لحاجة السوق والطلب على العملات الاجنبية.

أسباب تعويم العملة :

  • أنخفاض معدل النمو الاقتصادي في دولة ما نتيجة لتراجع الانتاج والتصدير.
  • مستويات التضخم بين الدول الصناعية على أسعار الفائدة.
  • ارتفاع معدل الإنفاق وخاصة الانفاق الخارجي.
  • زيادة المنافسة وتعارض المصالح الذي جرى ويجري بين الدول.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الدول التي اتبعت نهج التعويم على مستوى العالم لكي تتمكن من الحفاظ على مستواها التنافسي ودعم توجهاتها الاقتصادية والسياسية، حيث تلجأ من ناحية الى تعديل أسعار الفوائد من جهة ورفع الرسوم الجمركية أحيانا أخرى .

نتائج التعويم :

  • في حال أدى التعويم الى ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية:

إذا ما تسبب التعويم الى ارتفاع سعر صرف العملة المحلية مقابل باقي العملات ، تصبح كلفة السلع الاجنبية أقل من السلع المحلية، وهذا سيؤدي إلى انخفاض الطلب على العملة الوطنية وارتفاعه على العملات الاجنبية ، وسينتج عن ذلك زيادة في حجم الاستيراد نتيجة لانخفاض أسعار السلع الاجنبية بالنسبة للمستوردين المحليين، وبالتالي يؤدي ذلك الى عجز بالميزان التجاري ، وعجز في ميزان المدفوعات .

هذا الامر ينعكس على سعر صرف العملة الوطنية نتيجة لانخفاض الطلب عليها ،وارتفاعه على العملات الاجنبية فتنخفض قيمتها ليعود الاقتصاد الوطني قادرا على المنافسة الخارجية .

  • في حال أدى التعويم الى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية:

هنا يحصل عكس ما أوردناه في الحالة الاولى حيث سيؤدي تعويم العملة باتجاه انخفاض سعر صرفها، إلى حدوث عكس ما ذُكر من الآثار الاقتصادية المترتبة على رفع سعر العملة.

ما هي الاسباب الاساسية التي تلزم الدول لتعويم عملتها؟

هناك بعض الاسباب التي تجبر الدول على تعويم عملاتها المحلية، وأهم هذه الاسباب :

  1. خفض الزيادة المستمرة في الدين العام .
  2. تنشيط الاقتصاد المحلي ، عن طريق فتح السوق للمستثمرين الأجانب.
  3. إعادة التوازن للميزان التجاري وميزان المدفوعات وعجز الموازنة.

أيجابيات تعويم سعر الصرف :

هناك عدة إيجابيات، ومنها:

–  استقرار ميزان المدفوعات عبر توازن العرض والطلب وفقا لحاجة السوق .

– توزان الميزان التجاري نتيجة للمنافسة بين الصناعة المحلية والمستوردات الخارجية .

– سعر صرف محدد من قبل السوق وفقا لمتطلباته ما يرفع من كفاءته ودرجة ثقة المستثمر الاجنبي به .

– الحفاظ على الاحتياطات واستعمالها بشكل مدروس ووفق حاجة الاقتصاد .

– حماية الصناعة الوطنية .

– حماية الزراعة الوطنية .

في لبنان يضاف الى هذه الايجابيات ايجابيات خاصة بلبنان منها :

– حماية الودائع عبر خفض الطلب على العملات الاجنبية وبالتالي تقنين استعمال ما تبقى من احتياطي لدى مصرف لبنان .

– حماية الطبقة الفقيرة عبر فرض رسوم وضرائب بشكل منطقي وموضوعي على الكماليات التي تؤمن الواردات للموازنة، والتي من المفترض ان تستفيد منها بكل خدماتها لا سيما الصحية والتعليمية الطبقات الفقيرة .

– دفع الودائع بالحد الادنى وخاصة لصغار المودعين على سعر رسمي جديد قريب من سعر السوق .

– ان يقوم المقترضون من المصارف بدفع مستحقات المصارف ، والتي هي بالنهاية أموال المودعين، بسعر قريب من سعر السوق ما يخفض حجم الخسائر .

– انخفاض قيمة الدين العام .

طبعا ستصادفنا مشكلة أساسية في لبنان، وهي مشكلة القروض السكنية ، لكن معظم هذه القروض تم أقفالها خلال الفترة السابقة هروبا من هذه اللحظة والتي يعلم الجميع أننا سنصل أليها يوما ما .

كما سيأتي من يقول ان رفع سعر صرف الدولار الرسمي سيؤدي الى رفع الاسعار بشكل كبير جدا ، من هنا نرى توضيح الصورة للجميع لنقول لهم ان معظم السلع الاساسية والادوية والادوات الطبية وحتى أجهزة الطاقة الشمسية معفية من الرسوم الجمركية بنسبة كبيرة ،كما هي معفية من الضريبة على القيمة المضافة. ومن هذه السلع :

– اللحوم الحية

– البقوليات والحبوب

– السكر والطحين

– الخضار والفواكه

– الادوية

– الاسماك وثمار البحر

– المجففات

– المواد الاولية

هناك بعض الاصناف الاخرى التي تخضع لنسبة متدنية من الرسوم الجمركية ومنها المتممات الغذائية ، المعلبات الغذائية، وبنسبة لا تتجاوز خمسة بالمئة .

أما السلع الاخرى التي يمكن ان تعتبر ضرورية بحسب بعض التصنيفات فمنها المنظفات ، الادوات الكهربائية والسجاد حيث تخضع لرسم جمركي بنسبة 20 بالمئة تقريبا ،ويضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة ،ما يمكن ان يرفع أسعارها بنسبة تترواح ما بين 10 الى 15 بالمئة ،على اعتبار ان الدولار الرسمي سيتم رفعه الى 15000 ليرة لبنانية ، وبالتالي ما نسبته حوالي 39 بالمئة من قيمة الزيادة المقدرة ب 31 بالمئة ، ما يجعل صافي الزيادة حوالي 12.09 بالمئة ، لكن البعض يذهب ويؤكد على عدم ارتفاع الاسعار نتيجة لعدة أسباب منها :

– ان معظم التجار اليوم يحتسبون الجمارك والضريبة على القيمة المضافة كاملة وهم من يستفيد منها .

– انخفاض الاستهلاك سيؤدي الى انخفاض الطلب والذي بدوره سيؤدي الى خفض الاسعار وفقا لقانون العرض والطلب .

– بالنسبة للادوات الكهربائية والمنظفات فإن المواد الاولية  معفية من الرسوم الجمركية، وهناك مصانع محلية تنتج نفس السلع وبالتالي فإن هذا من مصلحة المصانع اللبنانية والتي يجب ان تستفيد من هذه الفرصة لتكبير حصتها من السوق المحلي .

يبقى ان نشير الى ان البعض يدعي ان الكتلة النقدية ستتضخم نتيجة لرفع الرواتب والاجور للقطاع العام، وهذا الكلام غير دقيق ما دام ضمن النسب المقبولة والتي تؤدي الى التوازن ما بين النفقات والواردات ،خاصة ان الكتلة النقدية اليوم لا تتجاوز قيمتها ما يعادل 1.2 مليار دولار ،علما ان هذه الكتلة كانت قبل الازمة تعادل حوالي 3.3 مليار دولار، وبالتالي فإننا ما زلنا بعيدين عن هذا الرقم ، كما أن ادعاء ان سحب الودائع على السعر الجديد سيضخم الكتلة هو أمر يمكن معالجته من خلال ضبط السحوبات وإعادة هيكلة المصارف القديمة والتشجيع على فتح مصارف جديدة تضمن الودائع الجديدة ما يسهم في عودة هذه الودائع الى المصارف مجددا مع منح ضمانات وحوافز لهذه الودائع .

من هنا نؤكد على ان أيجابيات تعويم سعر الصرف هي أكثر بكثير من سلبياته، وهي ضرورة للاستمرار وخاصة لاعادة إحياء القطاع العام الذي وصل الى مرحلة الترهل والتحلل ، ودون هذا الاجراء يعني الاستمرار في طبع الليرة لتمويل الموازنات، وهذا سيؤدي الى تضخم مفرط وارتفاع كبير في سعر صرف الدولار الاميركي مقابل الليرة والوصول الى مرحلة تفكك الدولة بالكامل ، فهل هذا هو المقصود ؟

كل ذلك يحتاج الى بناء الثقة أيضا ما بين المكلّف ومؤسسات الدولة، وهذا اليوم للأسف مفقود ، وهو مفقود بفعل التجربة مع المنظومة التي حكمت لبنان منذ أكثر من تسعين عاما والتي تغيرت خلالها الوجوه فقط ، أما الأفعال فبقيت على حالها .

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى