كيف تلبننت أميركا…؟!
الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه برجي في صحيفة الديار يقول:
أي مواصفات أسطورية ـ أو الهية ـ لأي من رؤساء الولايات المتحدة، ليس فقط لإدارة بلاده، التي تختزل العالم باحتوائها كل الاثنيات وكل الأجناس وكل الثقافات، وانما لإدارة العالم بتضاريسه التاريخية والايديولوجية، وحتى بتضاريسه الماورائية؟
رائع ريجيس دوبريه، رفيق تشي غيفارا في أدغال أميركا اللاتينية، حين قارن بين آلهة النار في الميثولوجيا الاغريقية وآلهة النار في الميثولوجيا الأميركية، ليسأل “ألم يتجاوز هاري ترومان، بإلقائه القنبلة النووية على هيروشيما، كل آلهة الخراب في الميثولوجيات القديمة”؟
أحداث تكساس فجرت كل الأصوات الأميركية التي تلاحظ أن إمبراطورية، بتلك الامكانات ما فوق البشرية، لا تملك أي رؤية كي لا تبقى الكرة الأرضية نسخة عن الجحيم. صراعات وحروب في كل مكان، لنسأل ماذا فعلت الولايات المتحدة سياسياً للآخرين، ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، سوى تكديس الجماجم من الهند الصينية الى شبه الجزيرة الكورية، ومن أميركا الوسطى الى الشرق الأوسط؟
حتماً كان باستطاعتها أن تصنع مستقبلاً أقل اكفهراراً باستخدامها التكنولوجيا في تفعيل الألق البشري، لا بانتهاج سياسات عمياء تكريساً لشكل أشد هولاً من العبودية. هذه الحالة طبقت حتى على أوروبا، ما حمل المخرج الهوليوودي ديفيد فينشر على التساؤل “هل كان علينا أن نستخدم إنزال النورماندي ومشروع مارشال، لكي نغتصب القارة كما اغتصب أوديب أمه، فهل يعني ذلك أن ننتهي بفقء عيوننا”؟
ثمة تعليق في مجلة “أطلانتيك” لاحظ مدى التدني في الأداء السياسي. لم يعد شيوخ الكونغرس مثل شيوخ الـSenatus في روما القديمة. “هنا المناقشات حول أي تشريع تتحول من مناقشات حول الرؤية الى مناكفات هامشية، حتى لو كانت المسائل المطروحة مسائل جوهرية ما يزيد في حدة التصدع الداخلي من جهة، وفي تراجع صدقيتنا السياسية والاستراتيجية في العالم”.
الآن، رجلان وجهاً لوجه. أحدهما آت من أرصفة لاس فيغاس، ويتعاطى السياسة بطريقة قطاع الطرق، أو بطريقة سكارى ما بعد منتصف الليل. الثاني آت من أروقة الكابيتول، دون أن ندري إذا كان يعاني من تعثّر في الذاكرة أو من تعثر في الدماغ، حين يخلط بين ايمانويل ماكرون وفرنسوا ميتران، وبين الصين وكندا، وحين يؤكد اصراره على عدم توسيع الحرائق في الشرق الأوسط، فيما يبعث بالقنابل الأشد فتكاً “لإسرائيل”، وتنفذ مسيّراته وقاذفاته تلك السلسلة النوعية من الاغتيالات.
من يتابع يوميات السجال بين دونالد ترامب وجو بايدن، يفاجأ بأن أياً منهما لم يطرح ورقة عمل أو برنامج عمل للسنوات الأربع التي تعقب الانتخابات الرئاسية. تراشق بالإهانات وبالتفاهات، حتى لتسأل كيف تلبننت أميركا؟ واضح أن ما يحصل على الشاشات أو على المنابر في أميركا، لا يختلف سوى باللغة عما يحصل في لبنان.
كلاهما خطر على الشرق الأوسط. ترامب لم يأت على ذكر أي تسوية، ولم يتفوه يوماً بعبارة “الدولة الفلسطينية”. هو رجل “ميثاق ابراهيم” (في نظرنا ميثاق اسحق)، الذي طالما قلنا ان ابنته الفاتنة ايفانكا التي اعتنقت ديانة وأفكار زوجها اليهودي جاريد كوشنر، تتجول بالكعب العالي في رأسه.
بايدن الذي لم يتوقف عن التبشير بـ “الدولة الفلسطينية”، ربما لم يسأل نفسه كيف للبطة العرجاء أن تواجه دبابة الميركافا. هذه هي الصورة حقاً، بعد اخفاقه في فرض وقف للنار يستتبع وقف المذابح، وهو الذي نخشى أن يخلط بين الضفة الغربية في فلسطين والضفة الغربية للباسيفيك.
العرب عادة، بتلك الرومانسية الهشة، يميلون الى مرشح دون آخر. من يتصورون أنه ينظر إليهم ككائنات بشرية، مع أن أيا من المرشحين، وحتى من أيام جورج واشنطن، لا يرى في العرب سوى “تلك القبائل التي تحاول بقوافل الإبل أن تعبر الطريق الى القرن”، كما كان جون بولتون يعلن ذلك للملأ.
في جو بايدن أشياء وأشياء من دونالد ترامب، وفي دونالد ترامب أشياء وأشياء من جو بايدن في ما يتعلق بالدولة العبرية.
من جيفري فيلتمان الى دوروثي شيا محاولات ومحاولات لأمركة لبنان (كما لو أننا لسنا أميركيين). ما حصل “لبننة أميركا”. نحتاج الى قهقهاتكم، ولو كانت… القهقهات السوداء!